تطور منصب رئيس التحرير إلى أن أصبح رئيسا لكل العمليات التي تدور في محيط المؤسسة الصحفية بدون استثناء. وأظن دائما أن منصب رئيس التحرير أصبح يعادل في أهميته الاجتماعية منصب وزير، ولأنه تطور إلى هذا الحد تحول إلى منصب عام لا يؤثر في تعييناته التدرج الصحفي، فالطريق إليه لم يعد واضح المعالم، أي لا يعني بلوغ المرء نائب رئيس تحرير خطوة للوصول الى منصب رئيس تحرير.
أريد أن أصل من هذه التوطئة السريعة الى القول إن منصب رئيس التحرير لم يعد كما هو ظاهر من اسمه رئيسا للعمليات التحريرية. ومن أداءكثير من رؤساء التحرير نلاحظ أن هذه المسؤولية هي أقل المسؤوليات التي يوليها رؤساء التحرير اهتمامهم، وهذا هو السبب الذي سيدفعني للقول إن تطور الصحافة في المملكة اتخذ طريق الشكليات على حساب المهنية الصحفية. فالجريدة السعودية يمكن أن تدفع مئة مليون ريال في بناء مبنى ولا يمكن أن تدفع عشرة ملايين في تطوير كادر صحفي، والصحافة ناضلت لدفع عجلة التقدم في البلاد في كل القطاعات خلا الصحافة نفسها، حتى هذه اللحظة لا تقوم الصحف عندنا على المحترفين وإنما على جيش من الهواة المتغيرين باستمرار، فمهنة الصحفي لم تخلق بعد ودائماً أرجو الله الا تكون الصحافة في المملكة مقياساً للتقدم المهني الاحترافي في البلد لأنها أسوأ مقياس في هذا المجال.
تصور أن كل الكتاب الموجودين الآن الذين تقرأ لهم لا يوجد بينهم واحد (واحد فقط) يمكن ان تقول إنه كاتب صحفي محترف رغم أن الجريدة تدفع أجوراً كبيرة للكتاب والصحفيين، الشيء الذي يميز الجرائد في المملكة أنها لم تناضل من أجل نفسها، وهذا ليس إيثاراً ولكنها أول من انخدع وتضرر بمفاهيم التطور الشكلي الذي ساد في الطفرة وما زال سائداً حتى الآن في قطاعات كثيرة، وهذا شيء طبيعي لأن الجرائد هي من عمل على تكريس هذه التطور المخادع.على مدى سنوات التكوين وضعت الصحافة عددا من مقاييس النشر تتصل بمراقبة جرعات التقدم التي قد تطال المجتمع. نظريا هذا صحيح لأن المجتمع (أي مجتمع) لا يمكن ان يتحمل جرعات التقدم الكبيرة، ولكن هذه المقاييس لم ترفق ببرامج صيانة تحد من نمو التحرك المعاكس للتقدم. بجملة أخرى سقف أعلى للتنوير وحد أدنى للإظلام.
في واقع الحال إذا قرأنا الجرائد نلاحظ أن هناك تشديداً من قبل رؤساء التحرير على المواد التنويرية وإطلاق كامل للاتجاه المعاكس، فالرقابة لا تشمل الاتجاهين بنفس القدر (مع أنني أدين الرقابة على كلا الاتجاهين).
من الطبيعي أن تقرأ في الجريدة مجموعة من المقالات أو الأخبار المضرة بالمجتمع وبتقدمه المكتسب وبالكاد تقرأ نقدا أو مواجهة أو تصديا لهذه المواد الضارة. فمثلاً تقرأ في اليوم الواحد أكثر من أربع أو خمس قصائد باللغة العامية وبالكاد تقرأ قصيدة واحدة باللغة العربية الفصيحة في شهر كامل، صحيح ان كثيراً من رؤساء التحرير يناضلون من أجل توسيع نطاق التقدم، ولكنهم يجاملون تيارات معينة على حساب هذا التقدم مما يجعل هذه التقدم بطيئاً ومشوهاً في كثير من الحالات.
في محاضرته أشار الأستاذ خالد إلى المرأة الصحفية وقال إنه لا توجد حتى الآن صحفية محترفة، ولم يفصح بدقة عن الأسباب طبعا معظمنا يعرف الأسباب، ولكن طبيعة التشكل الرقابي والمجاملة التي أشرت إليها قبل قليل تركتنا معلقين في المثل الذي يقول المعنى في قلب الشاعر. وهذه هي الصيغة السائدة عند التعرض لكثير من القضايا، نحن نسعى للتقدم ولكننا لا نسعى لصيانته، والصحافة هي أفضل مثال على ممارسة هذه التوجه، ان تطور منصب رئيس التحرير من مسؤول عن العمليات التحريرية إلى قائد عام لمنشأة تجارية ثقافية، وتحوله بالتالي إلى منصب تشريفي سحب رئيس التحرير من مكانه الطبيعي الذي تأسست عليه الصحافة.. فرئيس التحرير لم يعد صاحب رأي وإنما رئيس منشأة أي، لم يعد من زمرة المثقفين وإنما من أصحاب المناصب.مع حبي وتقديري لكل رؤساء التحرير وفي مقدمتهم الأستاذ خالد.
فاكس: 4702164
|