Monday 17th march,2003 11127العدد الأثنين 14 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل يعيد صدام المأساة البيئية عام 1991 بعد هزيمته؟ هل يعيد صدام المأساة البيئية عام 1991 بعد هزيمته؟
كعكة البترول العراقي لن تكون سهلة المنال فمن سيقرر بعد الرئيس العراقي ؟

  * كمبريدج (واشنطن) - حمدي العناني- أ ش أ :
يرى كثير من النقاد أن التهديد بشن حرب في العراق له سبب واحد فقط هو رغبة الغربيين المحمومة في السيطرة على البترول العراقي .
ولكن عندما يتعلق الأمر بالبترول فإن هناك وجهتي نظر مختلفتين احداهما ترى أن الازمة العراقية أثيرت كحجة وكغطاء لمساعي الولايات المتحدة وبريطانيا وشركات صناعة البترول الدولية الرامية إلى السيطرة على بترول العراق.
أما وجهة النظر الأخرى فهي تقول انه بمجرد تحرير العراق من نظامه الحاكم الحالي فإن العراق سيغمر السوق العالمية ببترول رخيص وان ذلك من شأنه تعزيز الاقتصاديات.
ويقول دانييل يرجين المحلل بجمعية كمبريدج البريطانية لأبحاث الطاقة انه على الرغم من أن هناك فجوة شاسعة بين وجهتي النظر هاتين الا أن هناك شيئا واحدا مشتركا بينهما وهو سوء الفهم لحقيقة صناعة البترول العراقية والوقت اللازم للقيام بانتاج جديد في العراق .
ويوضح يرجين قائلا انه لا شك أن العراق دولة بترولية كبيرة جدا حيث يأتي في المرتبة الثانية في العالم من حيث احتياطي البترول بعد المملكة العربيةالسعودية ولكن الصورة الحقيقية لوضعه البترولي مختلفة . . حيث ان انتاجه يمثل 3% فقط من اجمالي الانتاج العالمي بينما تبلغ صادراته نفس معدل صادرات نيجيريا .
وأضاف قائلا انه على عكس ما كان عليه الوضع أثناء أزمة الخليج الثانية عام 1990 - 1991 فان الأزمة العراقية الحالية تتركز على الأمن بوجه عام وقد يتطلب الأمر عدة قفزات منطقية لاستنتاج أن هذه الأزمة تدور كلها بشأن البترول.
فمن الناحية الفيزيائية فان العراق يمكن أن يضاعف طاقته الانتاجية الحالية ولكن ذلك يمكن أن يستغرق عشر سنوات أو أكثر ويشدد يرجين قائلا: انه لا يمكن أن تشن ادارة أمريكية أو أي حكومة بريطانية حملة خطيرة كالتي تعتزمان شنها أو تخاطران بشنها لمجرد تسهيل ابرام قليل من عقود التنمية وزيادة معتدلة في الامدادات لمدة خمسة أعوام اعتبارا من الآن.
ويقول المحلل البريطاني ان السؤال المثار هو ماذا سيكون عليه مستقبل البترول العراقي بدون صدام حسين؟
ويجيب بقوله: ان الحرب يمكن أن تلحق اضرارا بالانتاج العراقي في الوقت الذي سيحتاج فيه أي نظام حكم جديد بصورة ماسة إلى عائدات بترولية من أجل تأمين استقراره فماذا يحدث لو قام صدام حسين باشعال النيران في البترول العراقي اذا تعرض لهزيمة ؟؟
كما أن هناك سؤالا أخر يتعلق بالسلطة وهو من سيتخذ القرارات؟؟
ويضيف قائلا . .لا شك انه اذا تم تشكيل حكومة عسكرية مؤقتة فانها ستكون مشغولة بالسيطرة على الأسلحة العراقية ووضع أساس لتشكيل حكومة عراقية جديدة ذات تمثيل موسع .
ان العراق يكسب الآن ما يكاد يكفيه للعيش حيث صدر بترولا قيمته 15 مليار دولار خلال عام 2001 ولذلك السبب فان أي سلطة عراقية مؤقتة ستكون حريصة على زيادة عائدات العراق من البترول إلى أقصى حد ممكن وبدورها فإن أي حكومة عراقية جديدة ستسعى إلى الحصول على أسلحة لحماية موردها الاقتصادي رقم واحد حتى يمكنها توليد المزيد من العوائد اللازمة للتعمير والتنمية بأسرع ما يمكن .
ويقول المحلل المتخصص في شئون الطاقة ان العراق ليس مثل أفغانستان فانه لديه الوسائل من خلال البترول لكي يدفع تكالف اعادة البناء ولكن أي حكومة جديدة ستكون لديها أولوية أخرى وهي تعزيز سيادتها وشرعيتها ومصداقيتها الوطنية ولذلك فعندما يأتي الجلوس مع شركات البترول فإن العراق سيكون مفاوضا صعبا.
وينصح يرجين بألا يكون هناك افتراض بأن العراق سيرحب بمستثمرين أجانب والتحدث معهم بشأن جدول زمني معقول مشيرا إلى أن التاريخ يثبت عكس ذلك وأن خير مثال على هذا هو أنه حتى الكويت التي ذكرت بعد حرب الخليج عام 1991 انها ستفتح صناعة بترولها للاستثمار الأجنبي فان ذلك لم يحدث رغم مرور 11 عاما على وعودها وذلك بسبب المعارضة داخل البرلمان الكويتي .
ويستبعد يرجين احتمال رغبة أى حكومة عراقية جديدة في اقتسام عائداتها مع أخرين قائلا ان الحكومة الجديدة لا تحتاج إلى الشركات الدولية للاستثمار في حقول مطورة بالفعل لأنه يمكنها ببساطة شراء التكنولوجيا والمعدات اللازمة للحقول القائمة أما بالنسبة للحقول غير المطورة فان حكومة ( ما بعد صدام ) ستحتاج إلى كثير من رأس المال للاستكشاف والانتاج الجديد . . . وهذا هو الذي قد يجعل الحكومة الجديدة تلجأ إلى شركات دولية.
أما فيما يتعلق بالشركات التي تحرص على توقيع تعاقدات مع بلد تبلغ نسبة حجم الاحتياطي المثبت لديه 11 % من الاحتياطي المثبت في العالم فإن يرجين يقول ان هذه الشركات ستكون حذرة عندما يتعلق الأمر بانفاق المليارات من الدولارات حيث يتعين عليها أولا الثقة في أمن واستقرار العراق بما في ذلك استقرار نظام الحكم الجديد نفسه وذلك قبل أن تشرع في توقيع أي تعاقدات .
ان هناك شركات روسية وفرنسية وايطالية وصينية وغيرها متعاقدة بالفعل ولكنها لاتعمل بسبب عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على العراق .
اما الشركات غير المتعاقدة بما فيها البريطانية والأمريكية فانها ستجري في البداية تقييما للوقت الذي ستحتاجه بالاضافة إلى المتاعب التي قد تواجهها .
ويرى يرجين ان القضية الكبيرة بالنسبة لشركات البترول تتعلق بكيفية مواجهة المخاطر الجيولوجية والسياسية ولذلك فانها تلجأ إلى التجمع في اتحادات وعقد شراكات وأن هذا الشيء هو المحتمل حدوثه في العراق حيث من المحتمل أن تتعاون الشركات المتعاقدة بالفعل إلى عقد شراكات مع شركات أمريكية وبريطانية وأوروبية وكندية وأسترالية ويابانية ويؤكد المحلل البريطاني قائلا: ان أي نظام عراقي جديد سيواجه واقعا قاسيا يتمثل في تدهور أحوال صناعة البترول حيث انخفضت الطاقة الانتاجية من 5 ،3مليون برميل يوميا خلال عام 1980 أي قبل الحرب الايرانية العراقية إلى 8 ،2 برميل مليون يوميا وستستمر في الانخفاض .
كما أن المستودعات تعرضت لاضرار كبيرة نتيجة لسوء الادارة لسنوات كثيرة . . وعلاوة على ذلك فان البنية التحتية البترولية ( سواء المتعلقة بالآبار أوخطوط الانابيب أومحطات الضخ أو الموانئ ) في حالة سيئة ناهيك عن تجاهل البيئة على نطاق واسع .
وتشير التقديرات إلى ان العودة لانتاج 5 ،3 مليون برميل يوميا يمكن أن تتطلب الانتظار ثلاث سنوات أو أكثر وأن هذا الأمر يمكن أن يتكلف 7 مليارات دولار على الأقل وأن العقبة التالية ستتمثل في تحدي زيادة الانتاج بعد ذلك وان القفز بالانتاج إلى 5 ،5 مليون برميل يوميا لن يتحقق الا بعد عام 2010 وبتكلفة تصل إلى 20 مليار دولار.
وبناء على ذلك فان يرجين يستنتج أن العراق لن تكون لديه القدرة على غمر السوق مثلما يتصور البعض ولن تكون هذه هي رغبته أيضا لأن احتياجه إلى عائدات كبيرة سيجعله يهتم اكثر ببيع بترول بسعر يتراوح ما بين 20 - 25 دولارا للبرميل الواحد بدلا من المساومة لبيعه بسعر عشرة دولارات.
ومن ناحية أخرى فان أليكس كيربي محلل شئون البيئة بتليفزيون ( بي بي سي ) البريطانية يقول انه لو اندلعت حرب في العراق فان البيئة في منطقة الخليج ستتعرض لأسوأ الأضرار حيث لن يقتصر الضرر على الأرض والهواء والماء فقط بل ستعاني مظاهر الحياة البرية كثيرا وبصورة فورية.
وتشير بعض التقارير إلى أن قيام العراق باشعال النيران في حوالى 750 بئرا بترولية أثناء انسحابه من الكويت عام 1991 أدى إلى انبعاث حوالي نصف مليار طن من ثاني اكسيد الكربون وتسمم النباتات والحيوانات وتلوث المياه واختناق العديد من الأشخاص وذلك بالاضافة إلى تغطية مساحة تبلغ حوالى 1900 كيلومتر بمياه أمطار حمضية وسخام وزيوت بترولية وانتشار القطران على مساحة مئات الكيلومترات من الساحل الخليجي ونفوق 30 ألفاً على الأقل من طيور البحر .
وجاء في هذه التقارير ان قيام العراق بسكب بترول بصورة مباشرة في مياه الخليج خلال ذلك الوقت كان له تأثير كبير على محطات تحلية المياه لدرجة أن 30 % من مياه الكويت لاتزال غير صالحة للاستخدام بسبب تلوثها منذ عام 1991.
ومن جانبه فان جوناثان لاش رئيس المعهد الدولي للموارد الطبيعة في واشنطن يقول انه ليس هناك ضمان بألا يتكرر ذلك هذه المرة.
ويرى جوناثان انه يتعين ألا تكون الاضرار التي ستلحق بالبيئة وحدها هي المقياس الذي يحدد ما إذا كان يتعين علينا الذهاب إلى الحرب أم لا بل يجب الأخذ في الاعتبار أيضا مدى تأثير الحرب على البشر والسلام العالمي .وأكد قائلا انه يجب أن نكون حذرين فان النصر في حرب على العراق ربما تكون تكلفته باهظة بالنسبة للبشر والبيئة على السواء.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved