)إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111)
الطريق إلى أرض الوطن طويل.. طويل.
كثيرون سقطوا على هذا الطريق.
منهم من سقط برصاص قاتل مأجور.. وآخر سقط برصاص أبناء دينه ووطنه!!منهم من قتل في بيروت.. في أثينا.. لشبونة.. روما.. قبرص.. تونس.. مالطا.. رام الله.. خان يونس. نابلس.. رفح.. الخليل.. واخيراً وليس آخراً غزة..!!
المكان متعدد الاحتمالات كاسم القاتل، وكما يمكن تشخيص القاتل بأنه العدو، يمكن تحديد المكان بأنه المنفى..!
وما أصعب المنفى داخل الوطن..!
من المناضل الرمز.. الى المطارد من جميع الأجهزة الأمنية.
من كاتب القصة.. الى رسام الكاريكاتير.
ومن الشاعر.. الى المؤرخ والصحفي.
ومن الحالم.. الى المفكر.
من قتله المجهول.. ومن قتله المعلوم الذي تحول إلى مجهول..!!
من قتله العدو.. ومن قتله أبناء جلدته..!!
مرثية تلو مرثية أخرى نكتبها على صفحات الحزن اليومي الفلسطيني..!!
وعلى الطريق الى الوطن الكبير سقط المجاهد والقائد والرمز المناضل الدكتور إبراهيم المقادمة شهيدا داخل الوطن الذي فرض عليه..!!
لم ينتظر القاتل هذه المرة عشرين عاما ليعلن مسؤوليته عن القتل كما فعل في اغتيال القيادات والكوادر الفلسطينية السابقة في بيروت وتونس وأثينا وقبرص، ولكنه خرج مبتهجا ليعلن في اليوم نفسه أنه القاتل..!! وصمت العالم المتحضر كعادته عندما يكون الدم المراق فلسطينيا..!!
وانتظرنا من العالم المتحضر الذي كان قبل أيام قليلة يردد كلمات الاستنكار والادانة لعملية البطل محمود القواسمة في مدينة حيفا، ان يصدر ولو استنكارا واحدا أو كلمة إدانة في وسائل إعلامه يستنكر فيها اغتيال ابراهيم المقادمة..!!
ولكن لأنه شلال الدم الفلسطيني المتواصل منذ عشرات السنين فعلى العالم ان يلتزم الصمت! ونتساءل بمرارة: هل يجرؤ أحد في الكيان الصهيوني على الاقدام على هذه الجريمة البشعة لولا الغطاء السياسي والاعلامي الذي اكتسبه هذه الكيان من قمة الهرم السياسي الأمريكي المتمثلة بالرئيس الامريكي جورج بوش الابن الذي جعل من نفسه ناطقا لوزارة الحرب الإسرائيلية محملا اطفال ونساء وشيوخ شعبنا مسؤولية أعمال العنف في الأراضي الفلسطينية.؟!
لم تختلف نهاية الدكتور إبراهيم المقادمة عن بدايته إلا بمدى ما تختلف مراحل تطور مأساة الإنسان الفلسطيني..!!
ولا تتصل نهاية المقادمة ببدايته إلا بمدى ما تتصل حلقات هذه المراحل..!!
من هنا لا تكون هذه النهاية قفزة أو تحولا وإنما هي تسلسل طبيعي بكل ما تحمله هذه الكلمة من مآس..!!
ولكن هل تنتهي رحلة الألف ميل بسقوط الشهيد ابراهيم المقادمة؟
لقد تجاوزت خطوات الشهداء الألف ميل إلى آلاف الأميال، قطعوها خطوة.. خطوة.. من رمال شاطىء غزة الأزرق إلى حقوق القمح وأشجار العنب في الخليل، ومن جبال وكهوف نابلس إلى حقول الألغام والأسلاك الشائكة أينما ولوا وجوههم في المسيرة إلى الوطن، أو ما تبقى من هذا الوطن..!!
وعلى الطريق الى الوطن سقط المجاهد القائد الدكتور إبراهيم المقادمة شهيدا داخل الوطن الذي فرض عليه في جريمة أخرى لدولة (المافيا)..!!
سقط الشهيد المقادمة ليلحق بإخوانه ورفاق مسيرته الجهادية الشهداء صلاح شحادة ومحمود أبو هنود وجمال منصور وجمال سليم وصلاح دروزة والشقيقين عماد وعادل عوض الله ومحيي الدين الشريف ويحيى عياش وكمال كحيل ومئات الشهداء من القساميين الذين زرعوا مشاعل الحرية والكرامة في ذاكرة الأمة التي لا تنطفىء والذين أدركوا وهم يروون بدمائهم الطاهرة تراب فلسطين الطهور بأن المسافة الموصلة الى النصر ما زالت بعيدة، ولكنهم آمنوا كذلك بأن دماءهم الزكية تضيف خطوات واثقة على الدرب السائر في تجاه شرف وعزة وكرامة الأمة.
ويطرح السؤال التالي نفسه بقوة:
هل استشهاد الدكتور المقادمة هو خاتمة المطاف لإرهاب الدولة الإسرائيلي المنظم ضد الإنسان الفلسطيني منذ ما يزيد على قرن من الزمان؟!
ان هذه العملية الإرهابية تؤكد من جديد أن اسرائيل هي مصدر الإرهاب وصانعته، فلا توجد مؤسسة إسرائيلية إلا وتجلس على قمة تاريخ إرهابي طويل وعريق، كما لا توجد مؤسسة اسرائيلية الا وترى ان الحل الإرهابي هو الطريق الوحيد لحل أي مشكلة، فجذور الإرهاب عميقة في ضمير وفكر الكيان الإسرائيلي، وتاريخ الحركة الصهيوني يعتبر الإرهاب أحد المكونات الرئيسية لها، ومجد قادة الصهاينة العنف وتفاخروا بأعمال القتل والخطف والاعتقال والابعاد، واعتمدوا الإرهاب والقتل وسيلة لقيام الكيان الإسرائيلي.وما قاله احدقادتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن: «إننا كصهاينة نقتنع بفاعلية الإبادة الجسدية من اجل التخلص من أولئك الذين يريدون حياتنا صعبة» لهو خير دليل على العقلية الإسرائيلية التي يهرول بعض العرب للتعامل معها..!
إن إسرائيل هي مصدر الإرهاب، وهي التي استخدمت منذ نشأتها والى الآن اسلوب التصفية الجسدية لكل من هو فلسطيني للقضاء على الشعب الفلسطيني، وعلى هذه القاعدة الإرهابية تم اغتيال الدكتور المجاهد ابراهيم المقادمة.لن تجدي الكلمات في رثائه.. فكل كتابة عنه ستكون ناقصة.. لأن قضيته لم تكتمل بعد. ولن تجدي الحروف في التعزية.
ولن تجدي العبارات الحزينة في الإسهاب في فلسفة استشهاده.
فقد اختار إبراهيم المقادمة بين التساقط او السقوط شهيداً.
وقد اختار..!!
عندما اختار أبوأحمد المقادمة طريق الجهاد والنضال فقد اختار طريق الشهادة..!
ولأننا أمة من الشهداء، وشعب الشهداء، وكل فلسطيني هو مشروع شهيد.. علينا ان ندرك أن كل الشعب الفلسطيني مطلوب للقتل عند الإسرائيليين..!!
على الجميع ان يفهم أنه مطلوب للعدو..!!
أطفالنا.. نساؤنا.. شبابنا.. شيوخنا.. قادتنا..!!
حتى الهواء الفلسطيني مطلوب لعصابات القتلة..!!
فلنتحول إلى قنابل بشرية تنفجر في عمق هذا العدو لنثبت له ان دماءنا ليست رخيصة وأن دماء ابراهيم المقادمة وجميع الشهداء لن تذهب هدراً..!
وإذا كانت حكومة العدو الإسرائيلي قد قررت فتح ابواب جهنم على شعبنا، فإن نيران جهنم لن يكتوي بها شعبنا واطفالنا ونساؤنا فقط بل سيكتوي بها أطفالهم ونساؤهم وجنودهم..!!
وإذا كان قاتل الاطفال والنساء والشيوخ مجرم الحرب شارون قد أعلن بأنه سيفتح بيت عزاء في كل بيت فلسطيني، فإننا نعلن أننا لن نقبل العزاء في الشهيد إبراهيم المقادمة، ولن نقبل العزاء في جميع شهدائنا..!!
إنهم معنا لأنهم فينا.. وسيظلون معنا لأنهم سيظلون فينا..!!
لذلك نحن لا نرثيهم.. ولا نبكيهم.. ولن نلبس السواد.. ولن نتقبل التعازي..!!عزاؤنا هو في الثأر لشهدائنا من قتلتهم.
عزاؤنا هو في مواصلة طريق الجهاد الذي رسمه لنا المقادمة وجميع شهدائنا الأبرار..!!
عزاؤنا في دحر العدو عن أرضنا الغاصبة.
عزاؤنا في ألا تذهب دماء إبراهيم المقادمة ودماء جميع الشهداء هدراً.
عزاؤنا في مجابهة عدونا الأبدي والأزلي متكاتفين متحدين، لأن اهدافنا واحدة حتى ولو اختلفت فينا السبل.وليكن دم الشهيد إبراهيم المقادمة ودماء الشهداء منارات نهتدي بها في طريقنا إلى الحرية والاستقلال.
(*) مدير تحرير جريدة الحقائق لندن
www.alhaqaeq.net
|