* «الإندبندنت» البريطانية خدمة الجزيرة الصحفية :
رئيس الوزراء البريطاني توني بلير: انت لا تمتلك الدليل. ولا تمتلك موافقةالأمم المتحدة. ولا تمتلك تأييد بلادك. بل لا تمتلك تأييد حزبك لموقفك ولاتمتلك الحق القانوني. ولا الحق الأخلاقي. لذلك لا تجر بريطانيا إلى حرب مميتة.
فالرئيس الأمريكي جورج بوش يقول أنه سوف يشن حربه ضد العراق بموافقة الأمم المتحدة أو بدون موافقتها. ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير يقول انه سيؤيد بوش.
ورئيس الفريق الدولي للتفتيش على الأسلحة العراقية هانز بليكس يطالب بمنح فريقه المزيد من الوقت ربما لشهور قليلة على أقصى تقدير. ولكن حكومتي أمريكا وبريطانيا تجاهلتا طلب بليكس. وهناك مخرج واحد من هذاالكابوس . وهو أن يتحلى بلير بقدر كبير من الشجاعة ويستغل علاقته الوثيقة وغير المسبوقة مع الرئيس الأمريكي جورج بوش لحث الأخير على المزيد من ضبط النفس والهدوء والتعقل.
وان بقي بلير كصوت محذر سوف تزداد أهميته إذا لم يصدر قرار ثان من مجلس الأمن الدولي يسمح باستخدام القوة ضد العراق. ولكن هناك جانب مظلم في موقف بلير وهو أنه يرتبط بتحالف وثيق مع بوش بحيث لايبقى أي أمل في إمكانية قيام رئيس الوزراء البريطاني بأي دور لوقف اندفاع بوش نحو الحرب.
وقبل أن يقود بلير بريطانيا إلى حرب لا تريدها ولها عواقبها المروعة فنحن نطالب بلير لكي يفكر مرة أخرى في مبررات ودوافع الحروب الوقائية التي يسعى إليها بوش باعتبارها لا تتماشى مع العصر الحديث.
فالحقيقة أنه لا يوجد حتى الآن أي سبب مقنع لهذه الحرب بل إن هذه الأسباب إن وجدت أصبحت أضعف مما كانت عليه من قبل. فحتى إذا افترضنا أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل فإنه ليس الدولة الوحيدة في العالم التي تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي بامتلاك مثل هذه الأسلحة. بل إنه في حالة العراق هناك فريق من المفتشين الدوليين يحققون تقدما ملحوظا لنزع هذه الأسلحة.وهانز بليكس نفسه قال: ان تدمير العراق لصواريخ صمود اثنين يعد دليلا على نزع جذري للسلاح. حيث بدأ تدمير أسلحة خطيرة بالفعل كما أنه لا يوجد أي دليل على قيام العراق بتطوير أسلحة نووية أو امتلاكه للوسائل اللازمة للقيام بهذا. ولذلك فعندما يطالب هانز بليكس بشهور إضافية حتى يتمكن من إنجاز مهمته فإنه من الحماقة أن تأتي بريطانيا لتحدد مهلة للعراق تقدر بعدة أيام.
وحتى الحديث عن العلاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة فقد معناه بعد فشل كل من الحكومتين الأمريكية والبريطانية في تقديم أي دليل مقنع على وجود مثل هذه العلاقة كسبب آخر لضرب العراق.
أيضا لا يوجد حتى الآن دليل على استعداد أي دولة بما في ذلك العراق لتقديم أسلحة دمار شامل إلى الإرهابيين كما تزعم الولايات المتحدة. فهذه الدول ببساطة شديدة سوف تخاف من أن يستخدم هؤلاء الارهابيون هذه الأسلحة ضد هذه الدول ذاتها. ولكن الاحتمال الأقوى هو أن الحرب الأمريكية القادمة ضد العراق سوف تشعل الإرهاب الدولي وتمنحه قوة دفع إضافية. سوف تستهدف هذه الموجة الولايات المتحدة وتابعها الأمين بريطانيا في المقام الأول. لذلك فإن الإرهابيين على مستوى العالم سوف يحتفلون بانطلاق أول رصاصة في الحرب الأمريكية ضد العراق. وحتى الإدعاء بأن العراق يمثل خطرا على استقرار منطقة الخليج يبقى بلا دليل.
فبعد غزو العرق للكويت عام 1990 وإخراجه منها عام 1991 بعد معركة مدمرة مع قوات التحالف الدولي فإن العراق أصبح أضعف كثيرا جدا مما كان عليه عام 1991. وعندما قام المفتشون الدوليون بتدمير مجموعة من أسلحته خلال الأسابيع الماضية فهذا يعني زيادة في الضعف العراقي.ثم تأتي أمريكا وبريطانيا لتزعما أن الحرب ضد العراق سوف تحقق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
ومع ذلك فإن الدول العربية تعارض هذه الحرب بما في ذلك الدول المناهضة لصدام حسين نفسه. وهذه الدول مستاءة من ازدواج المعاييرالأمريكية في التعامل مع كل من العراق وإسرائيل.
حيث تترك أمريكا طوفان الدم في الأراضي الفلسطينية وتصر على مهاجمة العراق. وكما لاحظت عضو الحكومة البريطانية كلير شورت. فإن هناك مخاطر حدوث كارثة إنسانية في حالة الحرب. فالحرب وليس صدام حسين هو الخطر الذي يهدد المنطقة. إذن فالأسباب التي تسوقها أمريكا وبريطانيا للحرب أسباب هشة. فهل الهدف من هذه الحرب هو إزالة أسلحة الدمار الشامل أم إزالة صدام حسين نفسه من السلطة؟ هناك أسباب قوية أيضا لتغيير أنظمة الحكم في دول عديدة مثل كوريا الشمالية وإسرائيل والصين وعدد من الدول الاخرى وليس العراق فقط. ثم ماذا لو اكتشفت دولة أخرى أن هناك حاجة إلى تغيير نظام الحكم في بريطانيا؟ فالحجج التي تطرحها لتغيير النظام العراقي رغم أنها مقنعة تماما إلا أنها تمهد الطريق أمام فوضى عالمية كبيرة.
يقول الرئيس بوش ان حربه القادمة ضد العراق قانونية حتى بدون قرار جديد من مجلس الأمن الدولي. وقال بلير أنه سوف يتجاهل أي استخدام غير مسئول لحق النقض الفيتو من أي من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ضد صدور قرار ثان يسمح باستخدام القوة ضد العراق. وهذه التصريحات تجعل الجدل المحموم حاليا داخل الأمم المتحدة بلا معنى. فالولايات المتحدة وبريطانيا سوف تشنان الحرب مهما يحدث. وهذا يعني أن الأمم المتحدة مطالبة بالموافقة على الحرب القادمة وإلا فستفقد سلطتها كمؤسسة دولية. ولكن خضوع الأمم المتحدة للضغوط الأمريكية والبريطانية يعني أنها تدمر نفسها. وبمزيد من التحديد فإن القرار رقم 1441 لم يمنح أحدالحق في إعلان الحرب. ولن يمر أي قرار يسمح بهذا. ولكن ما يقلقنا مهما كان قرار الأمم المتحدة خلال الأيام القليلة القادمة هو أن أمريكا وبريطانيا سوف تعلنان أن صدام حسين لا يتعاون بالكامل مع المفتشين الدوليين. وربما يبدي بلير بعض الشجاعة ويعترف بأن بعض التقدم في عمليات التفتيش قد تحقق بدون حرب وبدون ذبح الآلاف من الأبرياء العراقيين. فالحقيقة أنه لا توجد أي شجاعة في الوقوف إلى جانب القوة العظمى الوحيدة في العالم وهي تتجه نحو شن حرب بدون أي سبب مقبول. إذن فبلير وليس صدام حسين هو الوحيدالذي يمكنه وقف عجلة الحرب إذا كانت لديه الرغبة في ذلك.
|