(1)
تحفظت أكثر من مرة على ظاهرة الكتابة اليومية في الصحف، ولم أكن أعني بذلك انتقادَ أو انتقاصَ عطاءِ بعض رموزنا الأدبية التي تمارس الركض اليومي على صَهْوة الحرف الجميل في دروب الهمّ الوطني ومشتقّاته وقضاياه، إنما كنت أعبّر عن موقف شخصي بحت يلازمني ولا يتعدّاني إلى سوايَ من البشر، متّكِئاً في ذلك على التسليم بأنني لا أملك بدءاَ موهبةَ الكاتب اليومي ولا أدواته، ولا أستطيع، الصمودَ أمام معادلة التحدّي اليومي الذي تُمليه الكتابةُ اليوميةُ، وهو تحدٍ ذُو شقّيْن:
الالتزامُ بالانجاز في الموعد الموعود، والكتابةُ على نحوٍ يرفض الرتابةَ والتكرار، ويعدُ بالجديد والمفيد!
***
إذن، فحين انتقدتُ ذات يوم الكتابةَ اليوميةَ ضمناً، كنتُ في الحقيقة أتحدّث عن نفسي تخصيصاً، ولم أعنِ بما قلتُ «تعميمَ» هذا الحكم على الكتّاب الآخرين، من جهة أخرى، أكاد أجزم بأن هناك كتّابَ يومياتٍ يبدعُون،و مثلهم كتّاب أسبوعيون،وهناك كتّاب موسميُون، منهم المبدعُ ومنهم من هو دون ذلك، وهناك مزيجُ آخر من الكتّاب لا إلى أولئك ولا إلى هؤلاء!
***
وعندي أن المؤهل الحقيقي للكتابة، سواء كانت يومية أو أسبوعية أو حولية، هو الموهبة أولاً، والتحصيلُ المتراكم من القراءة والتأمل والاستيعاب، ثانياً، ثم القدرة على التعامل مع الحرف الثري فكرة وأسلوباً، ثالثاً، والتميّزُ في الكتابة لا يخضع لمعادلة الوقت ولا التوقيت،ولكن بما يُضيفُه صاحبُه إلى فهم القارئ وعقله ووجدانه من قيم المعرفة والفضيلة والجمال!
***
* أختمُ هذه المداخلة بالقول إن للكتابة اليومية تحدّياً خاصاً تمليه معادلةُ الوقت هيمنةً وتعاملاً، فمن استطاع الوفاء لها والالتزام بها دون التفريط في القيم الجمالية للكتابة، نصّاَ ومعنىً وغايةً، فقد أصاب حظاً من الابداع، ومن كانت عُدّته أو عتاده في الكتابة اليومية أقلَّ من ذلك، فليخلد نفسه وقلمه للراحة، فذلك خير له وأبقى!
***
(2)
* يتساءل كثيرون وأنا أَوَّلُهم، عن مدى فاعلية الجهود التي تبذل حالياً عبر مؤسساتنا التربوية والثقافية لتنمية الاهتمام بلغتنا العربية وصيانتها من بعض افرازات «العولمة الثقافية» التي تزحف بنَهمٍ عبر مسارات السمع والبصر، وتعليقاً على ذلك أقول لمن يُشْقيهم هاجسُ القلق حول مستقبل اللغة العربية، بأن يبدأوا من حيث انتهى آباؤنا الأولون في غيرتهم على لغة القرآن، واحتفائهم بها، وصيانتهم لها، مع شيءٍ من التطوير أو «التحديث» في آلية تعليمها ترغيباً للناشئة لا ترهيباً!
يضاف إلى ذلك تشجيع الأطفال وتعويدهم على القراءة الحرة، منذ الصغر، بدْءاً بالنافع من أدبيات الطفل، وانتقالاً إلى أدبيات أثرى لغةً ومضموناً تواكب تطور السن.
***
* أمّا القولُ بأنّ تعليم اللغة العربية «أو أي لغة أخرى» يقتصر على الجرعات اليومية في المدرسة فهو قول مردود على صاحبه، ما لم يقترن بجهد اضافي من لدن الطفل، بأزرٍ وتوجيهٍ ومتابعةٍ من لدن الوالدين، أما إن أهملنا هذا الجانب، معتمدين على أداء المدرسة، وما تنفثه القنوات الفضائية وما في حكمها، فإن النتيجة لهذا كله ستكون عقوقاً للغة العربية، هويّةً وولاءً وآداباً!
|