Monday 17th march,2003 11127العدد الأثنين 14 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قراءة في كتاب .. حق التضحية بالآخر «2» قراءة في كتاب .. حق التضحية بالآخر «2»
عبدالله الصالح العثيمين

أشير في الحلقة السابقة إلى شيء مما أورده الأستاذ منير العكش في مقدَّمة هذا الكتاب الذي يتناول الإبادات الجماعية التي ارتكبها المستعمرون الأوروبيون ضد سكان أمريكا الأصليين المسمين بالهنود الحمر. وأشير، أيضاً، إلى ما ورد في الفصل الأول من الكتاب وعنوانه «الوباء البديع» عن الحرب الجرثومية التي شنَّها أولئك المستعمرون.
أما الفصل الثاني فعنوانه: «هذا الجنس اللعين». ويستهلُّه المؤلف باقتباس من كلام لامرأة هندية قالته سنة 1885م؛ ونهايته: «لا أرى إلا أشباحاً، ولا أسمع إلا هدير المياه، ثم تنفجر الدموع في عيني لأنني أعرف أن رجالنا ذُبحوا، وأن حياتنا الهندية انتهت إلى الأبد».
ومما ورد في هذا الفصل أن عدد الهنود في كاليفورنيا عندما احتلتها جيوش المستعمرين، سنة 1846م، كان قد أصبح أقلَّ من ربع ما كانوا عليه سنة 1769م. ومع ذلك فخلال العشرين سنة الأولى من احتلال تلك المنطقة أبيد ثمانون في المئة من هذا الربع بسبب نظام السخرة، الذي واكبه خطف النساء للعمل والمتعة.
وقد أثارت تلك الأعمال الإجرامية ضحاياها الذين لجأوا إلى الغابات والأماكن النائية، التي صنفها المستعمرون أملاك الدولة، وعُدُّوا لصوصا. ومن هنا وجه حاكم المنطقة رسالة إلى المجلس التشريعي فيها قال فيها:
«إن الرجل الأبيض الذي يعتبر الوقت ذهباً ويعمل طول نهاره ليبني حياة سعيدة لا يستطيع أن يسهر طول الليل لمراقبة أملاكه.. ولم يعد أمامه من خيار سوى أن يعتمد على حرب إبادة. إن حرب الإبادة قد بدأت فعلا. ويجب الاستمرار فيها حتى ينقرض الجنس الهندي تماما».
وبعد أن أورد المؤلف، الأستاذ العكش، مزيداً من الأمثلة عن الجرائم التي ارتكبها المستعمرون الأوروبيون ضد السكان الأصليين من الهنود بيَّن مزيداً من الأدلة عن تلك التي أوردها سابقاً موضحا أنهم كانوا ينظرون إلى أنفسهم ومستعمراتهم الجديدة وكأنهم قدِّيسون يؤسسون بلاد كنعان جديدة.
ومما يلفت النظر ما أورده المؤلف عن موقف جورج واشنطن المسمى بأبي الجمهورية الأمريكية من تلك الجرائم المشار إليها. فقد ذكر أنه في عام 1779م أصدر أوامره إلى الجنرال جون سوليفان بأن يحيل مساكن هنود الأوروكو إلى خراب، وألا يصغي لنداء السلام حتى تمحى قراهم ومدنهم وآثارهم من وجه الأرض. وبعد أن نفَّذ الجنرال أوامره كتب إليه يبشِّره بتحويل تلك «المنطقة الجميلة من حديقة بديعة إلى أطلال مهجورة تثير الرعب والمقت».
ويذكر أن ذلك الرئيس قال: إن طرد الهنود من أوطانهم بقوة السلاح لا يختلف عن طرد الوحوش المفترسة من غاباتها، كما يذكر أنه دمَّر 28 بلدة من أصل 30 بلدة من بلدان الهنود. ولذلك لم يكن غريباً أن سمَّوه «هدام المدن».
ولم يكن ذلك موقف «أبي الجمهورية الأمريكية» فحسب؛ بل إن توماس جيفرسون المسمى «رسول الحرية الأمريكية» وكاتب وثيقة الاستقلال أمر وزير دفاعه بأن يواجه الهنود الذين يقاومون التوسع الأمريكي بالبلطة وألا يضعها حتى يفنيهم أو يسوقهم وراء المسيسبي؛ قائلاً: «إننا مجبرون على قتل هولاء الوحوش أو طردهم مع وحوش الغابات إلى الجرود».
ثم أورد الأستاذ العكش مزيداً من أدلة استخدام المستعمرين الأوروبيين الحرب الجرثومية في محاولتهم القضاء على الهنود الحمر. واقتبس ما قاله أحدهم في هذا الصدد؛ وهو:
«سأحاول جهدي أن أسمِّمهم ببعض الأغطية الملوَّثة التي سأهديها إليهم، وسأتَّخذ الاحتياطات اللازمة حتى لا أصاب بالمرض».
ونتيجة لذلك نقلت تلك الأغطية إلى الهنود، فمات منهم أكثر من مئة ألف في سنة واحدة.
وعنوان الفصل الثالث من كتاب الأستاذ العكش: «من المتوحش»؟
ويستهلُّه باقتباس من كلام لزعيم هندي أمريكي قاله سنة 1787م؛ وهو:
«إنهم يفعلون ما يحلو لهم، يستبعدون كل من ليس من لونهم، يريدون أن يجعلوا منا عبيدا. وحين لا يتحقق لهم ذلك يقتلوننا. إياك أن تثق بكلماتهم أو وعودهم. إنها أحابيل. صدقني، فأنا أعرف سكاكينهم الطويلة جداً».
وقبل أن أسترسل في عرض ما ورد في هذا الفصل أقول: ما أشبه الليلة بالبارحة. تلك كانت أخلاق من استعمروا أمريكا من الأوروبيين قبل مئة وخمس وثمانين سنة. وتلك كانت أخلاق من لم يذهب إلى أمريكا منهم يوم أعطوا وعوداً لمن أعطوا من العرب فنكثوها في الحرب العالمية الأولى. وما أظن أخلاق هولاء وأولئك تغيرت كثيراً في الوقت الحاضر.
لقد ذكر أحد الكتاب أنه في منتصف القرن السابع عشر:
«صار صيد الهندي من أمتع رياضات التسلية في نيو انجلاند. فما أن يتم القبض على هذا الوحش حتى يتم تمزيق جسده أو إطعامه للكلاب.
هكذا كان يتم صيد آلاف الهنود سنوياً في ألعاب تسلية كانت تعتبر من الرياضات الشعبية في تلك المقاطعة».
وفي عام 1968م قال أحد الأمريكيين في حديثه عن تتبعهم لفلول الفيتناميين في معركة من المعارك: «لقد أمضينا وقتاً سعيداً وتسلينا».
وقارن أحد الهنود بين ما حدث قديماً وحديثاً، فقال:
«رأيت صوراً من مذابح ماي لاي في فيتنام.. رأيت صور الأمهات الذبيحات وأطفالهن يرضعون من أثدائهن، وتذكرت جدي يخبرني عن الأم الذبيحة فوق ثلج ووند دني وطفلتها التي ترضع من ثديها البارد. إنها صورة واحدة. لم يتغير شيء سوى المكان. كل ما هناك أن ثدي ماي لاي كان حاراً، وأما ثدي ووند دني فكان با رداً متجمدا. هذا هو الفرق الوحيد بين صورة الأمس وصورة اليوم».
ثم يقول الأستاذ العكش: إن هذه الصور هي العقد الذي ينتظم تاريخ أمريكا على مدى أربعة قرون. وليس أدلَّ على ذلك من قول عالم حيوان مشهور أرسلته الرابطة الأمريكية لتقدم العلوم إلى الهند الصينية لدراسة آثار الحرب فيها:
«إن قصف الهند الصينية وحراثتها بالقنابل ليس إلا الترجمة الحديثة لسياسة إفناء الجواميس في الغرب الأمريكي. إن لهذا البرنامج تأثيراً مدمراً على أنواع الحياة في الهند الصينية أكبر من تأثير الإبادة البيئية في الغرب الأمريكي على الهنود الحمر».
ويختم الأستاذ العكش الفصل الثالث من كتابه بالإشارة إلى كتاب رمزي كلارك، وزير العدل الأمريكي السابق، عن جرائم أمريكا ضد الإنسانية في حربها على العراق، قائلاً: قبل إصدار ذلك الكتاب كانت الفرقة الجوية السابعة والسبعون قد وزعت كتاب أناشيد تصف فيه ما ستفعله في الخليج، وتنذر هذا «المتوحش القميء» .. «خدن الأفاعي» بأن يستعد للإبادة، فيما ينتهي أحد هذه الأناشيد بخاتمة تقول: الله يخلق، أما نحن فنحرق الجثث».
وذلك الكتاب كما يصفه كريستوفر هيتشنس خليط من السادية والفحش.. ومعظمه تشنيع وتشهير وشتائم بذيئة للعرب والمسلمين باعتبار أنهم أعراق منحطة وحشرات وجرذان وأفاع، وهي بذاءات مقتبسة بالتأكيد من كتاب حياة محمد لجورج بوش «الجد الأكبر 1796 1859» الذي يضم أشنع ما كتب عن العرب والمسلمين والنبي محمد في الولايات المتحدة.
وقد اعترف شوارزكوف في عدة مقابلات تليفزيونية بأنه كان يريدها «يعني حرب 1991م ضد العراق» معركة فناء، وأنه كان يخطط لأن تكون على شكل معركة كاناي القرطاجية التي يطلق الإيطاليون على موقعها اليوم اسم حقل الدم.
ذلك ما كان في الماضي البعيد والقريب مما له صلة بالحاضر. فهل من مدَّكر؟

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved