كان يحسبها بلسما لجراحه الثائرة بعد أن مزق الشقاءذاته وبدد أحلامه، وكان يظنها الظلال التي يستريح فيها من عناء مسيرة العمر الطويلة بعد أن تعثرت قدماه وأنهك التعب كل ذرة في جسمه، وكان يراها الأمل الذي يحيا على وميضه بعد أن ملأ اليأس عليه كل قلبه وتمثل له في كل شيء، وكانت تمثل له الشاطئ الذي ظل مدة يرقب ظهوره ليريح سفينته المحطمة عليه، وكان يحلم أن يرى معها ذاته ويشعر بحقيقته.
وفي لحظة تبدد كل شيء فأدرك الحقيقة التي ظل زمنا يهرب من الاعتراف بها، ووجد نفسه يكتب لها رسالة:
عزيزتي:
لن نلتقي لأنني لم أخلق بعد.
وكتبت له:
إلى من يهمه الأمر: من أنت؟؟
تمر بالانسان لحظات كثيرة يحتقر فيها نفسه، يحس بتفاهته تفاهة قد لا يستحق معها لقب إنسان، وهذا الشعور يأتي غالبا بعد أن يتصرف تصرفا لا يليق به ويشعر أنه كان من الممكن أن يتلافاه لو فكر قليلا وحكم عقله بادئ ذي بدء.
ولا شك أن هذا الشعور شيء طبيعي عند كل إنسان سوي، ولكن هل تختلف درجة الاحساس بالخطأ من إنسان لآخر؟؟ بمعنى هل يختلف اثنان في احساسهما تجاه خطأ واحد؟؟
الواقع أن الاختلاف موجود فذوي الاحساس المرهف تظل عملية تأنيب الضمير عندهم مدة أطول من سواهم من الأشخاص العاديين ومع ذلك يقول علماء النفس إنهم أكثر الناس أخطاء لأن العاطفة لديهم تطغى على كل شيء.
ظن المسكين ان العبقرية ولدته ثم أصابها العقم فلم تنجب غيره وخيل إليه ان الله قد حباه مواهب ليست عند زيد من الناس أو عمرو وكثيرا ما يقف أمام مرآة بحجم طوله ويحدق فيها طويلا بحركات هستيرية عجيبة محركا رأسه ذات اليمين وذات الشمال لعله يكشف علامات العبقرية التي يحس بها دون بقية خلق الله.
فصنع لنفسه تمثالا من نفسه مقيداً ذاته وتعالى على غيره فلم يكسب غير كره الناس له وتجاهل الجميع فغدت حياته بين تجاهل الناس وشعوره بما يميزه عليهم شيئا لا يطاق.
| 
