مشكلة علاقتنا مع العالم العربي، هي مشكلة علاقة المركز مع الأطراف، المركز الذي استأثر بالثقل الحضاري والفكري والتنظيري لعقود طويلة، والأطراف التي كان عليها أن تنصاع باستسلام منبهر لما يصلها من هناك.
وعندما أخذ منظرو القومية العربية يطرحون المشروع القومي العربي ويزركشونه بالآمال والطموحات والواجبات كانت هذه التنظيرات تأخذ شكلا من أشكال القداسة التي لا يستطيع أحد أن يمسها أو يناقشها حتى يتهم بالعمالة والخيانة ونقصان في الوطنية، وما هنالك من مزايدات عجيبة ومنفصلة عن واقعها.
وفي حرب الخليج الثانية عام90 كانت دول الخليج تتعرض لمواجهة خطيرة وقضية وجود مصيرية، إما أن «أكون أو لا.. وإما أن أخضع للمحتل العراقي المجنون الذي دمر بلاده وهو في طريقه إلى تدمير واحتلال الخليج، أو أن أستعين بالقوات الأجنبية وأوظف مصالحها في المنطقة كي أحافظ على وجودي وكياني.
واختارت دول الخليج الخيار الثاني على الرغم ممابه من مرارات ولكنه كما قلت كانت قضية «أكون أو لا أكون» أي كان من الممكن أن تمسح دول عن الخارطة العربية.
عندها هاج وماج الشارع العربي وانطلاق منظري المقاهي والشوارع في وصلات ردح طويلة تنال من دول الخليج ومن قادتها ومن قراراتها في الاستعانة بقوة أجنبية.
ولجأ البعض منهم في سذاجة تنظيرية منفصلة عن الواقع تشير إلى حل «عربي عربي»، من الممكن أن ينهي احتلال العراق ويحقق الأمن لدول المنطقة، ولا أدري ما هو هذا الحل؟ وما هي أدواته ومن الذي كان سيسعى للجم رجل المافيا صدام الذي يوجه جيشا بمئات الألوف قد احتل بلداً ويسعى لاحتلال الآخر.
وما زال أولئك المنظرون يلوكون نظرياتهم بشكل مستفز وغريب خاضع للشعارات ومفرغ من العلاقة العملية مع محيطه.
آن لمنطقة الخليج ان تتبنى الفكر «البراغماتي» لفترة وتلتفت إلى مصيرها ومصير شعوبها، إلى اصلاحاتها السياسية، إلى تفعيل مؤسساتها المدنية، إلى الحفاظ على وجودها وتقدمها، لقد نالنا ما نالنا من شعارات القومية، ولم يتركوا حجرا لم يقذفونا به وما زلنا نتهم بالعمالة والتواطؤ ابتداء من منظري المقاهي وصولاً إلى الحكَّام العسكر الذي يواجهون العالم بربع عقل!!
يجب أن نتخلص من حالة الخجل والتبريرات الدائمة التي يقدمها الأطراف للمركز، نحن في مرحلة يجب أن نقف ونعيد حساباتنا والنظريات التي ننطلق منها بحاجة إلى غربلة وتصفية، وننطلق من واقعنا ونصلح شارعنا ومؤسساتنا السياسية والاجتماعية. أما تنظيرات المركز حول القومية وثرثرة الشعارات، فهي كومة من التنظيرات التي لم يعد هناك من يجد فرصة أو وقتاً للاستماع لها.
|