للتغيرات اليومية غير المحسوسة «everyday changes» أهمية غير مدركة، ونعني بها هنا التحولات الخفية أو غير اللافتة للنظر التي غالبا ما تحدث في أنماط التفاعل الاجتماعي على مدار اليوم والليلة. هذا ويعتبر العلماء هذه التغيرات من ضمن أكثر أنواع التغيرات الاجتماعية شيوعا ومع ذلك فهي أقلها حظوة بالسبر والبحث والملاحظة. ومن الثابت - علميا - أن لتراكمها بشكل غير محسوس تأثيراً جوهرياً بالغاً في الفكر كما في السلوك، ولذلك تعتبر التغيرات الاجتماعية اليومية من أهم مصادر التغير الاجتماعي الامر الذي يجعل من منهجية سبر غورها بوعي وادراك من أهم وسائل الحفاظ على جوهر الثقافة وسد ما تحدثه المستجدات من فجوات، واصلاح خللها، وتقويم معوجها، بل تجديد الحياة وضخ دماء العلاجات الناجعة المناسبة للزمان والمكان والبشر.
هذا ومما أذكر انني قد قرأت كتابا في اللغة الانجليزية يوضح ماهية جوهرية تأثير التغيرات اليومية في الحياة الاجتماعية حيث استعرض مؤلفه - الغائب اسمه عن الذاكرة هذه اللحظة - عددا من الأمثلة الافتراضية، منها افتراض ان «عائلة ما» قد قررت تعديل سلوك أفرادها الاستهلاكية من أجل التوفير في أوجه انفاقها ولهذا قطعت هذه العائلة ما اعتادت عليه من ذهاب الى «السينما» في كل ليلة جمعة. هنا فمجرد عدم ذهاب هذه العائلة سوف يؤثر لا في أنماط تفاعل افرادها مع بعضهم الآخر فحسب بل أيضا في انماط تفاعلهم مع الآخرين، ولنفترض ان هذه العائلة قد اخذت بخيار زيارة الأقرباء بدلا من الذهاب الى السينما فقرارها هذا سيعيد - عبر تواتر الزمن وتراكمية احداثه - صياغة العديد من سلوكياتها وأفكارها وقيمها.
بل ان للتغيرات اليومية تأثيراً في اللغة أيضا واللغة كما نعلم أداة التعبير عن الواقع المعاش، ومما أذكر فقد أورد الباحث مثالا افتراضيا في هذا الصدد يتمثل فيما لو ان عضواً من اعضاء مجموعة من الاصدقاء قد أخذ باستخدام تعبير لغوي ما على شكل يومي مكرور فان نتيجة ذلك في الغالب هو نشوء نمط لغوي جديد سوف يتجاوز استخدامه دائرة هذه الكوكبة من الاصدقاء حيث سيسري في اوساط من يقع ضمن خارج دوائر تفاعلهم الاجتماعي وهكذا حتى يشيع وينتشر في كافة أوساط وأرجاء وطبقات وفئات المجتمع بكل مضامين هذا التعبير وتداعياتها على أرض الواقع.
.. اذن اياك وتجاهل تغيراتك اليومية مهما كانت في ناظريك ضئيلة .. فتسخير لما كان وسيلتك للتنبؤ بطبيعة ما سوف يكون.
| 
