بحوار مع الطرف الآخر من الشرق الأقصى ومع أحد رجال الأعمال المصدرين لأسواقنا، شكا الصديق من تذمر البنوك في وطنه بأنها ترفض في بعض منها الإيداعات النقدية لديها، وفي هذه الظروف العالمية التي يمر بها الاقتصاد العالمي حتى وإن كان عميلاً لها ويستغرب بشدة من هذا التصرف، وهو هنا يركز على الأفراد وليس الشركات والمصانع التي قد يكون ما عليها أكثر مما لها!!، وحين كررت السؤال عليه للتأكد تماماً، حتى وإن كان عميلا لها؟ فأكد إجابته بنعم مشددة، إنها ترفض الإيداعات المالية لديها أو استقبال أي عملاء جدد مكلفين أو ممن يطالبون بعوائد وفوائد على إيداعاتهم؟ وسألني من جهتي هل وصلت لديكم هذه الظاهرة البنكية الجديدة، فأكدت له أن بعض البنوك ترفض الإيداع في أي فرع من فروعها، إذا كان غير عميل لها، وان كان عميل فرع آخر بنفس البنك، وتبرر البنوك ذلك بأننا نخدم عميلنا الخاص بنا فقط لا غير، وهذه قليلة ومحدودة لدينا ولا تعتبر ظاهرة ملموسة بشكل أو بآخر لكنها تحدث وهي موجودة.
هذا التساؤل من الصديق صاحب الشركة المصدرة المثير لاستغرابه واندهاشه لم يكن مستغرباً على إطلاقه من وجهة نظري لكنها بدأت تطبق على أي حال في بعض الدول وهو مؤشر غير جيد اقتصادياً وينبئ بمؤشرات سيئة، حيث إن هناك أبعادا اقتصادية عديدة لهذا الإجراء المستغرب لدى الكثير، فالبنوك لا ترفض لمجرد الرفض لزحمة عمل أو أن نظامها المصرفي لا يحتمل لديها أو كثرة العملاء غيره، بل لسبب أساسي «وقد تكون محقة» وهو عدم وجود منافذ استثمارية جيدة لهذه الأموال الضخمة الخاصة بالمودعين سواء محلياً أو خارجياً خاصة ان العميل هنا يطالب بعائد مادي مقابل هذا الإيداع، حيث ان هذه البنوك «أي بنك» يعاني من ارتفاع السيولة لديه لأسباب كثيرة بمجملها ولا أقصد قطاعا بذاته، ونعرف أن الأسواق المالية في هذا الظرف الزمني الدقيق والمتأزم دولياً وأقصد به الأزمة العراقية والحرب المرتقبة، وما سينتج عنها، وحالة الركود الاقتصادي العالمي المزمنة والمستمرة خاصة في الولايات المتحدة، وانخفاض أسعار الفائدة، وهبوط الأسواق المالية، وحالة الترقب المستمرة التي زادت مع التوتر العالمي، وكان نتيجة ذلك ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات لم تصلها من سنوات حتى بدأ يلامس 37 دولارا مما يعني مزيدا من التضخم المرتفع في بلدان الدول الصناعية والبطالة وهو ما يسبب قلقا مستمرا لهذه الدول، كل هذه العوامل قلصت منافذ أو استقطاب الاستثمار وعززت الضعف الاقتصادي العام الدولي بدون استثناء.إن البنوك على مستوى العالم أصبحت تعاني من حالة الركود الاقتصادي وهبوط أسواق السلع والخدمات، مما يجعلها تكون أقل اندفاعاً في المنح للقروض الائتمانية حيث إن الضمانات مقابل هذه القروض أصبحت غير متوفرة وبالتالي تعثر المنح للقروض، وبرغم أن بنوكاً دولية خسرت مئات الملايين من هذه القروض كالبنوك في الشرق الآسيوي خاصة اليابانية وغيرها، وما يعلن عنها وبأرقام عالية جدا يعكس حالة التردد لدى البنوك في قبول أي إيداعات، ان خسائر البنوك جراء هذا الوضع الاقتصادي الدقيق يجعل البنوك لا ترحب بالسيولة العالية لديها في ظل عدم توفر الضمانات الكافية لهذه القروض، والبنوك ترحب بهذه السيولة في حالة توفر الضمانات الأكيدة لها مما يعظم ربحيتها، والبنوك السعودية لدينا مثلا، لم نلحظ أي انخفاض في الأرباح بنهاية السنة المالية إلا بنكين اثنين فقط أما بقية البنوك فقد حققت أرباحا جيدة وبمتوسط إجمالي لا يقل عن 15% وارتفاع نسبة الإقراض الشخصي «قطاع التجزئة» وهي لسبب أساسي رئيس يتعلق بالقروض الشخصية الممنوحة لعملاء البنك أو غيرهم بضمانات مؤكدة ومضمونة، وهي الرواتب وتحويلها، وهذا لا يعمل به على إطلاقه في الدول الأخرى ولكن للتأكيد أن بنوكنا المحلية لا تمنح القروض الشخصية إلا بضمان مؤكد، وقد تخسر مع ذلك البنوك وان كانت أسعار هذه القروض تعتبر مرتفعة ومبالغ بها إلى حد ما. ولا يمكن لوم البنوك بهذه الشروط والضمانات التي تطلبها وأموال البنوك هي أموال مساهمين ينتظرون عوائد وتعظيم القيمة السوقية لها، وهو ما يتم حقيقة لدينا لو نظرنا إلى مؤشر سعر السهم السوقي والأرباح السنوية، لكن يمكن تصنيف بنوكنا المحلية بوضعية خاصة جدا وبالتالي لا تعاني مما تعانيه البنوك في الخارج لأسباب كثيرة.إن سنة 2003م ستكون صعبة للبنوك لأسباب عديدة من ركود عالمي عام، وانخفاض الفائدة، وحالة التوتر العالمي، التي ينتظر الانتهاء منها بأقرب وقت للخروج من حالة التوتر والقلق، ومع حالة الركود الاقتصادي المستمرة وقلة الإنفاق الحكومي والشخصي مما يضعف النمو الاقتصادي، حيث سنجد التركيز الأكثر على تجارة التجزئة والحصول على أكبر شريحة ممكنة التي تعتبر الأكثر أمناً برغم المخاطرة الضئيلة والمقدرة والمؤمن عليها على أي حال، وهو ما سيكون تحديا لبنوكنا المحلية ومن يحصل على أكبر شريحة ممكنة.
|