نادرا ماتحقق الحرب - بمجرد ان تبدأ - ماهو متوقع منها. حيث لم يكن وليام ماكينللي يتوقع عام 1898 ان ينتهي العام بضم امريكا للفلبين. ومع ذلك شنت الولايات المتحدة بحلول ديسمبر- بعد مرورها باسبانيا - حربا على مدى ثلاث سنوات لسحق المقاومة الفلبينية المناهضة للحكم الاستعماري الامريكي وبحلول عام 1900 كان ماكينللي قد ورطنا في قرن من الانشغال بالسياسات الاسيوية، بسياسة «الباب المفتوح» التي انتهجها، كان كل ذلك مجرد اثار لحرب بدأت بسبب نسف سفينة حربية في ميناء هافانا وهو الحادث الذي لم تكن اسبانيا مسئولة عنه بالتأكيد على وجه التقريب.
وعندما جرنا ويلسون الى «الحرب العظمى» لاقامة عالم آمن تسوده الديموقراطية فإنه لم يكن يعرف ان هذا النصر سوف يؤدي الى ظهور روسيا شيوعية والمانيا نازية وايطاليا فاشية وامبراطورية بريطانية لا تغرب عنها الشمس وحرب ثانية اكثر دموية واشد تدميرا من الحرب الاولى.
ولم يكن تشرشل يعلم ان بولندا وتسع دول اخرى مسيحية، اضافة الى الصين. سوف ينتهي بها الامر بالوقوع في قبضة ستالين نتيجة للحرب التي حث الشعب البريطاني على خوضها عندما اشاد بنيفيل شامبرلين لمخاطرته بالاقدام على الحرب مع المانيا النازية بسبب بولندا عام 1939 ويتردد انه تمتم بعبارة اسف لقد قتلنا الخنزير الخطأ.
ولكن اذا كان الفوز بالحرب سوف يترتب عليه بقاء رفات الجثث في افواهنا، فان عكس ذلك هو الصحيح ايضا فقد خرجت امريكا من الحرب في كوريا بالتعادل. ومع ذلك اصبحت كوريا الجنوبية دعامة اسيا الحرة بسبب مقاومتنا للعدوان الستاليني. وبقيت اليابان في المعسكر الغربي حتى تحقق النصر في الحرب الباردة. وسقطت فيتنام الجنوبية عام 1975فيما يعد هزيمة للسياسة الامريكية - ان لم يكن للجيوش الامريكية .
إلا ان هذا النضال البطولي الذي لقي فيه 58 الف امريكي مصرعهم كلف جنوب شرق اسيا عشر سنوات من الوقت تجذرت فيها الحرية . وعندما كان والد الرئيس بوش على وشك شن حربه لتحرير الكويت تنبأ كاتب هذا المقال بانها سوف تكون الحرب الامريكية العربية الاولى وليست الاخيرة ، وقد اصبحت الحرب الثانية وشيكة الحدوث، ولايعرف احد على وجه اليقين كيف ستسير هذه الحرب.
يخشى الاوروبيون والعرب وكثير من الامريكيين ان يؤدي غزو للعراق تقوده الولايات المتحدة الى حدوث انتفاضة في الشرق الاوسط يتولى خلالها المتشددون - الذين يميلون الى اشعال حرب حضارات مع الغرب - السلطة ويتنبأ المحافظون الجدد التواقون للحرب بان تكون الحرب مجرد «رقصة» لتحرير شعب العراق من طاغية دموي ، تبدأ بعدها عملية اضفاء الطابع الديموقراطي على العالم الاسلامي!
لاتبدو العراق كقوة عاتية حيث لن يستطيع نظام الدفاع الجوي العراقي - عجزعن اسقاط طائرة امريكية واحدة خلال اربعين الف طلعة على مدى عشر سنوات - ان يصمد أمام القوة الجوية الامريكية التي تستطيع اطلاق الف من القنابل الذكية وصواريخ «كروز» كل يوم . كما ان القوات البرية العراقية لاتستطيع ان تقاوم لفترة طويلة دبابات ابرامز التي تستطيع ان تضمن تدمير مركبة عراقية مدرعة مع كل طلقة تخرج من فوهات مدافعها . وماذا بعد؟
تتمثل المعادلة الكبرى هنا في السؤال التالي: وماذا بعد؟ يرى فريق الحرب ان احتلال العراق- مثل احتلال المانيا واليابان - على انه فرصة لتحويل الدول العربية المعادية الى مجتمعات محبة للسلام موالية للغرب. ويرى انصار هذا الفريق ان العرب - في مواجهة التفوق العسكري الامريكي سوف يقبلون في نهاية المطاف بهيمنتي الداعية الى الخير والوجود الدائم لاسرائيل «الشارونية» في قلب الشرق الاوسط .
وفي المقابل يخشى الفريق المناهض للحرب ان يترتب على غزو الولايات المتحدة للعراق ولادة شرق اوسط يشبه كثيرا حالة اوروبا في الثلاثينيات . وليس اوروبا في الخمسينيات . حيث ان فرض الديموقراطية على العالم العربي ومنع الانظمة الجديدة من اظهار الكراهية للقوة الامريكية واسرائيل اصبح الان منتشرا بشكل وبائي بين اتباع هذا الفريق. كما ان التحليل النهائي لذلك هو ان الانقسام يدور حاليا حول كيفية منع تكرار احداث الحادي عشر من سبتمبر وكيفية تحقيق حياة امنة لامريكا وسط عالم لايحبنا ولم يعد يخشانا .
مبدأ ولسون
والسؤال الان هو: هل كانت احداث الحادي عشر من سبتمبر نتيجة لعدم التدخل في العالم الاسلامي؟ او انه لم يكن للارهابيين ان يأتوا الى هنا لارتكاب مذبحة على ارضنا لو لم نكن نقوم بعمليات غزو كبيرة للجزء الخاص بهم من العالم؟ يرى فريق من الناس - يمكن ان نسميهم اتباع مبدأ ولسون - اننا يمكن لنا ان نعيش في عالم آمن في حالة واحدة فقط هي عندما يعترف العالم بان الولايات المتحدة قوة مهيمنة في العالم وانه سيتم سحق كل من تسول له نفسه ان يتحداها.
ويرى فريق آخر ان الاسلوب الذي يضمن بقاء امريكا حرة وآمنة يتمثل في بقائها بعيدا عن النزاعات التي لا تؤثر على المصالح الحيوية الامريكية وان تدع المجتمعات الاخرى تقرر مصيرها بنفسها ولكن بوش قرر ان يسير وراء مذهب ولسون وأن يجرنا وراءه في هذا الطريق.
(*) إعلامي أمريكي ومرشح رئاسي سابق المصدر : موقع «امريكان كونسيرفيتيف» خدمة الجزيرة الصحفية
|