كان يجب أن أحضر المحاضرة التي ألقاها الأستاذ/ خالد المالك في مكتبة الملك عبدالعزيز، لأسباب أولها أن الأستاذ خالد هو رئيسي المباشر ومن باب المجاملة يفترض أن أكون ضمن الحضور. والثانية أشعر أنني من المهتمين بهذا الحقل ولي مصلحة فيه، والثالث كوني مواطناً يتابع مسيرة الهم الوطني العام، والرابع أهمية الأستاذ خالد في مسيرة الصحافة سواء في الماضي أو المساهمة في صناعة مستقبلها في وقتنا الحاضر. فهو كما لا يخفى عليكم رئيس تحرير واحدة من كبريات الصحف المحلية، فأي كلمة يقولها وأي شطبة قلم يجريها على الورق في مكتبه بالجريدة لها تأثير على مسيرة الفكر والحرية في هذه البلاد.
الأستاذ خالد ليس استثناءً في هذا، مثله مثل أي رئيس تحرير لأي جريدة كبرى في المملكة، ولكن تجربته في الخروج من الصحافة ثم العودة إليها يفترض أنها أتاحت له فرصة كبيرة لتقييم تجربته وتجربة الصحافة السعودية ككل وهذا لم يتوفر لغيره.
أقدم اعتذاري للأستاذ خالد وللإخوة في مكتبة الملك عبدالعزيز، ولا فائدة من الإفصاح عن أسباب تخلفي عن المحاضرة.
من حسن الحظ أن المحاضرة نشرت في الجريدة وقرأتها ولكن ليس من سمع كمن شاف، فالمحاضرة لا تكتمل قيمتها دون سماع مداخلات وتعليقات الحضور.
يكاد يكون من المسلَّمات القول إن هامش المناورة للصحافة في المملكة محدود، سواء اتفقنا مع هذا القول أو اختلفنا، أظن أننا سنتفق إلى حدٍّ بعيد على أن هناك تبايناً بين رؤساء التحرير في استنفاد هذا الهامش لمصلحة الجريدة والوطن، فبعض رؤساء التحرير يسير بجريدته بمحاذاة الشاطئ طلباً للسلامة. والبعض الآخر يغامر قليلاً ويبتعد عن الشاطئ بحثاً عن العمق. وقد كشفت لنا التجربة أن طلاب السلامة من رؤساء التحرير هم أول من يغرق وتغرق معه الجريدة. فقبل سنوات غرقت إحدى الجرائد السعودية الكبرى وغرق معها رئيس تحريرها الذي كان يسير بها من باب السلامة عند الشاطئ. لا أحتاج أن أدلُّكم على اسم هذه الجريدة، لأنها في هذه اللحظة أقرب إليكم من حبل الوريد، إذاً طلب السلامة في العمل الصحفي لا يأتي بالسلامة أبداً.
قد يكون الكلام سهلاً حيث يستطيع أي كاتب أن يدبج التشبيهات الأدبية «شاطئ وما أدراك ما شاطئ» طالما أنه بعيد عن غرفة رئيس التحرير والتلفونات التي تصله.
نحن نعرف أن رئيس التحرير يواجه كمية من الضغوط لا بد أن تؤثر فيه. حسب اعتقادي هناك نوعان من الضغوط: ضغوط حقيقية وهي ليست في الواقع ضغوطاً، وإنما توجيهات من أصحاب القرار تصل إلى رئيس التحرير بشكل غير مباشر، ولأنها تصل بطريق غير مباشر نسمِّيها ضغوطاً. وهناك صنف ثانٍ من الضغوط يستند فهمها واستيعابها والتعامل معها على شجاعة رئيس التحرير وعلى أساس رؤيته الفكرية والثقافية. وأظن أن الصنف الثاني من الضغوط هو ميدان المناورة الذي يحدد الفرق بين رئيس التحرير الشجاع ورئيس التحرير الخرع..
إذا عرفنا أن الصنف الأول من الضغوط هو أوامر وتوجيهات من أصحاب القرار تُرى ما هي الضغوط الأخرى؟ في الولايات المتحدة وفي دول أخرى هناك جماعات نشطة للدفاع والترويج لأهدافها. بالكاد يقرأ أحد هؤلاء الجماعة مقالاً في جريدة يخالف وجهة نظرهم يقوم على الفور بمخابرة أعضاء الجماعة ويطلب منهم توجيه رسائل احتجاج إلى الجريدة. فتصل للجريدة عشرات الرسائل، فتمثل هذه الرسائل وسيلة ضغط سيكولوجية على رئيس تحرير الجريدة تجعله يفكر مرة أو مرتين قبل نشر أي مقال من نوعه في المستقبل. وخصوصاً أن جماعات الضغط هذه تصيغ وجهة نظرها ملتبساً مع التيار الرئيسي للمجتمع بصورة توهم أنها تمثله. إن قدرة رئيس التحرير على تهميش هذا الضغط وتجنب تأثيره عليه هو الذي يقرر نجاح الجريدة من فشلها ويؤثر في مسيرة الصحافة في البلاد.
للموضوع بقية.
فاكس 4702164
|