المرحلة الحالية التي تمر بها المملكة العربية السعودية وكل دول المنطقة الخليجية والعربية هي مرحلة حساسة إلى أقصى درجات الحساسية، وحرجة إلى درجة بالغة الحرج.. فالأمور تتحرك بطريقة ينبغي أن نقف أمامها بمستوى مسؤولية عالية جداً وبرؤية استراتيجية واضحة لاتجاهات العمل وحركة الأحداث.. المملكة فعلاً مرت بمرحلة حساسة جداً في جهودها في تحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي عام 1990م ولكن على الرغم من صعوبة تلك الظروف إلا أن ما كان يجعل الأمور مطمئنة آنئذ هو كون هناك اجماع عالمي على التحرك لتغيير الوضع الذي خلفه صدام في الكويت وأمام أنظار العالم.. أما اليوم فإن الأمور مختلفة، لوجود انقسامات بين دول العالم حول هذه القضية، وردود فعل الدول العربية والإسلامية متفاوتة وأحياناً مختلفة..
ومواقف المملكة تنطلق من أكثر من رؤية استراتيجية للأحداث، فالرأي الرسمي هو أن تقف المملكة ضد الحرب، ولكن مجريات الأحداث قد تجرف بمواقف كثير من الدول في العالم - حتى دول عظمى - إلى مواقف تضطر إلى مجاراتها بحكم ايقاع وفداحة النتائج المتوقعة في المنطقة والعالم.
فالمملكة مثلها مثل باقي دول العالم تحتاج - وأنا واثق ان هذه المسألة مدرَكة من أولياء الأمر - إلى الاستعداد الكافي والتهيئة المناسبة لأسوأ سيناريوهات الأزمة، كما عبّر عن ذلك سمو الأمير سعود الفيصل في مؤتمره الصحافي الأخير.. «فنحن نأمل الافضل ونتوقع الأسوأ».. وهذا هو عين الصواب دائماً عندما تتعامل الدول مع الأحداث والأزمات.. وربما الوقت الحالي يتطلب من مختلف المؤسسات المعنية في المملكة ان تكون فيما بينها أو لكل واحدة منها ما يعرف بغرفة عمليات تباشر وضع الخطط وبناء الاستراتيجيات المناسبة لمواجهة المواقف والأحداث من مجريات الحرب المتوقعة إن نشبت.. وبلا شك ان هذه الأحداث التي ستأتي سواء من خلال الحرب أو من خلال بدائل الحرب التي تستلزم تغييراً جوهرياً في أوضاع العراق وما يتداعى من أمور ومسائل تتعلق بالمنطقة العربية.. تتطلب أن تكون هناك غرفة عمليات مركزية ممثلة من مختلف القطاعات المعنية - العسكرية والأمنية والمدنية - تعمل على تهيئة القرار القادم وفق المصالح الوطنية للمملكة.ولا شك أن هناك أموراً كثيرة تتعلق بهذه الأزمة الخطيرة التي تمر بها المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي تستدعي عمل عدد من المؤسسات الاجتماعية في إعداد ما يمكن أن نسميه »خطط طوارئ» للحالات والظروف المتوقعة.. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نحتاج أن تكون لدينا غرف عمليات لإدارة الأزمة في كل المجالات ومناحي العمل الذي يتأثر أو يؤثر في طبيعة الحياة للمواطن والمقيم في المملكة..
وتحديداً تعمل كل غرفة طوارئ على إعداد تصورات وسيناريوهات معينة تتعامل معها عند وقوع أحداث معينة في سلسلة المتوقع القادم وتسعى إلى وضع خطوات تنفيذية وبرامج عمل محددة للتعامل مع طبيعة وحجم ومدى هذه الأزمة وانعكاساتها على الوضع المحلي بشكل خاص.. ولربما ينبغي أن تكون هناك غرف عمليات رئيسية في كل قطاع من القطاعات ومجال من المجالات في المجتمع، كأن تكون هناك غرفة عمليات أمنية، وغرفة عمليات عسكرية، وغرفة عمليات سياسية، وغرفة عمليات إعلامية، وغرفة عمليات طبية، وغرفة عمليات تجارية للمواد الاستهلاكية، وغرفة عمليات تعليمية «المدارس والجامعات»، وغرفة ارشادية/ دينية، وغرفة عمليات مصرفية، وغرفة عمليات اغاثية، وغرفة عمليات للدفاع المدني، وغرفة عمليات مرورية، وغرفة عمليات بلدية.. الخ من غرف العمليات الأخرى التي نحتاجها في مثل هذه الظروف.. ومن المستلزم على هذه الغرف أن تدير العمل المختص بها على أكمل وجه، وباستعداد الطاقة القصوى وفق ظروف كل مرحلة من مراحل الأزمة.. كما ينبغي أن تكون هناك غرفة عمليات مركزية ممثلة من الغرف الرئيسية في الدولة تكون بمثابة مركز اتصال وتوجيه وسيطرة يحرك اتجاهات العمل ويرسم الأدوار ويوجه السياسات ويتابع المستجدات.
وعلى الرغم من الحشد الهائل للقوات الأجنبية في المنطقة، والتي تعتبر في حدود متاخمة للمملكة، بل إن الدولة المعنية المستهدفة بهذه الحرب هي دولة ذات حدود مباشرة مع المملكة، إلا أنه لم يتم حتى الآن تهيئة الرأي العام في المملكة إلى ما ينبغي عمله في حالة نشوب حرب وتفجر القتال وتدافع الجيوش وزحف القوات في كل النواحي.. وما قد يترتب على ذلك من مستجدات مواقف تحتمها ظروف الحرب وردود الأفعال.. ومجريات السياسة والمصالح الدولية.. كل هذه تحدث بجوارنا، ومن حولنا، وعلى حدودنا ونحن لا نعرف ما هي خطة الطوارئ المتوقعة وبرامج المؤسسات العسكرية والمدنية في مثل هذه الحالات.. ونأتي اليوم إلى الحاجة لأن يتم وضع المواطن في الصورة الحقيقة للأحداث والشكل المتوقع للسيناريوهات المحتملة.. حتى لا تكون هناك مفاجآت في عدم معرفة المواطن والمقيم بما ينبغي أن يعرفه أو يدركه أو يتصرف في اطاره.. هذه مرحلة حساسة وحرجة من تاريخ الأزمة وتتطلب أن يقف الجميع مؤسسات ومواطنين وأفراداً في دعم مجهود الدولة الكبير وإدارتها الاستراتيجية لهذه الأزمة.ومن المعروف أن وسائل الإعلام وأدوات وتقنيات الاتصال تقوم بدور حيوي في مثل هذه الظروف والحالات، ولهذا يتحتم على المؤسسات الإعلامية في المملكة أن تسعى إلى أن تقوم بهذا الدور المتوقع وفق ما تمليه ظروف الأزمة ومستجدات الأحداث ومتطلبات المصلحة الوطنية العليا للبلاد.
(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود
|