في خضم الجدل الدائر حول الحرب الأمريكية العراقية، والتي باتت وشيكة على ما يبدو أجد أن العراقيين كشعب وليس كنظام حكم مغيبون تماما عن هذا الجدل وكأن الأمر لا يعنيهم البتة. فالواقفون ضد الحرب من العرب والمسلمين تتكئ حجتهم على أنها حرب عدوانية ضد بلد عربي مسلم من دولة هي على عداء دائم وتاريخي مع الأمة العربية والإسلامية، لذلك فإن رفضهم لها ينطلق من هذا المنطلق، وليس في خطابهم المعارض لتغيير النظام العراقي بقوة السلاح سوى تلميحات خجولة وهامشية تدين ممارسات النظام العراقي نفسه تجاه الإنسان العراقي، جاءت في تقديري من باب رفع العتب ليس إلا.
هذا ما تقرأه في أغلب البيانات والفتاوى التي تعج بها الساحة العربية هذه الأيام. أما من يقف ضد الحرب من غير العرب والمسلمين قبواعثهم ودوافعهم هي لأسباب سياسية مصلحية محضة، أو ذات صبغة أيديولوجية بحتة، تسعي في النهاية إلى كبح جماح التسلط والهيمنة الأمريكية على العالم، لا حباً في العراق، ولا بإنسان العراق بقدر ما هي حماية لمصالحهم في المنطقة، وتغيب معاناة الانسان العراقي عن رؤيتهم هذه غياباً كاملاً.
والسؤال: أين شعب العراق ومعاناة الإنسان العراقي في الداخل والخارج من خطابات العروبيين، وبعض عناصر الإسلاميين التي أصبحت لديهم البيانات ناهيك عن الفتوى أسهل من خطة قلم، فلا يتورعون عن اطلاقها دون أن يكلفوا أنفسهم فهم وضع الإنسان العراقي داخل العراق، أو أولئك الذين هم مشردون خارجه ومدى معاناتهم من هذا النظام الذي بلغ ظلمه بهم وتلاعبه في مصائرهم وتبديده لثرواتهم الوطنية، طوال تاريخ حكمه، مبلغاً لم يعرفه تاريخ الإنسانية البعيد والقريب على السواء. وموقف العروبيين وبعض الإسلاميين هذا هو ما يثير حفيظة العراقيين ويستفزهم ويجعلهم يشعرون وكأنهم «كبش» بين ذئاب جائعة، لا هم لها إلا أن تنهش من لحمه أكبر قدر ممكن.
والعراقيون يختلفون على كل شيء بينما يتفقون على كراهية هذا النظام كراهية لا يصل إليها أي شعب تجاه نظام حكمه في كل انحاء المعمورة على الاطلاق، الأمر الذي جعلهم بالفعل ينتظرون الأمريكيين على أحر من الجمر، ناسين أو متناسين تبعات وعواقب الحرب التي يرون انها مهما كانت سيئة فلن تصل في سوئها ولا في حطة إنسانيتها إلى الوضع الذي يعايشونه في ظل نظام يرى أن شرط بقائه الأوحد يكمن في سحل الناس بسياط رجاله، حتى وإن اضطر إلى «رشهم بالمبيدات الكيماوية كما حصل في «حلبجه».
ومع تفهمي للمخاوف والتبعات واحتمالات سوء العواقب التي قد تترتب على شن أي حرب على العراق، إلا انني اجد أن هذه الحرب - بصراحة - ضرورة لابد منها مهما كانت تبعاتها، فهي للأسف أفضل الخيارات المتاحة للتخلص من هذه البلوى. فبقاء نظام صدام ليس خطراً على جيرانه الذين هم على خصومة دائمة معه فحسب، وانما على شعبه أيضا الذي يعاني من ويلاته منذ قرابة ثلث القرن. ولعل ادق وصف قرأته لوضع العراق والعراقيين الآن، هو ما جاء في إحدى منتديات الإنترنت والذي يصف فيه كاتبه العراق وصدام بالقول: « الوضع في العراق اشبه ما يكون بطائرة مخطوفة، ركابها عرب مسلمون وقرصانها عربي مسلم، أفليس من المطلوب عقلياً وأخلاقياً ودينياً أن تتضافر جهود الجميع، عربا وغير عرب، مسلمين وغير مسلمين لإنقاذ ركاب هذه الطائرة والقبض على قرصانها.. ثم: هل من المعقول أن يقول قائل: دعوا مهمة التخلص من الخاطف وانقاذ الطائرة لركاب الطائرة انفسهم كما يردد من يقول: ان بقاء وذهاب صدام قضية داخلية هي من شؤون العراقيين وحدهم وليس لأحد شأناً بها؟».
ومهما يكن الأمر فإنني أرى أن المستفيد الأول من الحرب المزمعة على العراق هو الشعب العراقي أولاً، تماماً مثلما استفاد الكويتيون من القوات الاجنبية المتحالفة عندما طردت صدام من الكويت. ففي تقديري أن الوضعين متشابهان إلى حد كبير.
صحيح أن ثمة خاسرين من هذه الحرب غير أن شعب العراق نفسه ليس منهم بكل تأكيد..
|