يظل برنامج دين ودنيا الذي تقدمه القناة الأولى بتلفزيون المملكة العربية السعودية هو البرنامج الأميز من وجهة نظري على مستوى البرامج الإرشادية والدينية التي تقدمها القنوات الفضائية قاطبة، إذ استطاع هذا البرنامج من خلال أطروحاته الرائعة أن يكسب احترام المشاهدين ومتابعتهم غير أني لاحظت من واقع متابعتي الدؤوبة للبرنامج أنه تراجع قليلاً في الآونة الأخيرة وتحديداً منذ أن تركه معده ومقدمه السابق فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن عبدالكريم البكر، وعندما أطرح هذا الرأي لا يعني أبداً أني أصادر الجهود المبذولة والمشكورة من قبل الاخوة الفضلاء الذين يتناوبون على تقديم البرنامج حالياً ولكن هي رؤية تحليلية لمعطيات البرنامج وما حققه من إنجازات وأولويات خلال الفترة التي قضاها البكر معداً ومقدماً، فلو عدنا للوراء قليلاً لوجدنا أن البكر كان يقدم برنامج دين و دنيا بالتناوب خلال عامي 1418ه و 1419ه ثم أصبح بعد ذلك يقدم البرنامج بشكل منتظم منذ مطلع عام 1420ه وحتى الربع الأول من عام 1423ه وخلال تلك الفترة رصدت بعض الملاحظات أوجزها في النقاط الآتية:
1- حصول البرنامج على ثلاث جوائز دولية كأفضل برنامج إرشادي وهي: جائزة مهرجان الخليج بالبحرين عام 2000م، وجائزة مهرجان القاهرة الدولي عامي 2001م و 2002م.
2- كونه أول برنامج يثير قضية الرؤى والأحلام ويطرحها من منظور إسلامي وذلك قبل خمس سنوات تقريباً عندما تمت استضافة فضيلة الدكتور يوسف المطلق، ثم شاهدنا بعد ذلك القنوات الفضائية وهي تتسابق لطرح هذه القضية بل وتخصص برامج مستقلة لتأويل الرؤى والأحلام.
3- لا أعتقد أن أي متابع سينسى حلقة «السحر انحراف اجتماعي أم مرض حضاري» وكيف كان مدى تفاعل المشاهدين معها من داخل المملكة وخارجها، الأمر الذي لم يملك البكر حياله إلا إخراجها في شريط فيديو ليتداول في الأسواق حتى تعم الفائدة وينتشر الوعي، وإمعاناً في تنوير المجتمع وتبصيره من جهة وتأكيداً على نجاح تلك الحلقة من جهة أخرى فقد أمر معالي وزير الإعلام الدكتور فؤاد الفارسي بإعادتها ثلاث مرات في الأسبوع الذي تلا العرض المباشر لها، وجدير بالذكر أن تلك الحلقة عرضت فيما بعد على تلفزيونات بعض الدول الشقيقة كالمملكة الأردنية ومملكة البحرين وسلطنة عمان.
4- لعل المتابع للبرنامج إبان تلك الفترة يلمس في ثناياه وبشكل واضح الشمولية والتنويع، فلم تكن أطروحاته تدور في فلك قضايا مطروقة وروتينية أو كانت حكرا على فئة معينة دون غيرها بل كان البرنامج شاملاً ومنوعاً بمعنى الكلمة، فعلى سبيل المثال نجد أن قضايا المرأة المسلمة كان لها نصيب من حلقات البرنامج وكذلك حقوق الخدم والجاليات الإسلامية في العالم بالإضافة إلى هموم الشباب والفتيات حتى الأطفال كان لهم نصيب! فلم يضيعوا في زحمة المواضيع أو ينسوا مع كثرة الهموم، ويكفي أن البرنامج هو أول من سلط الضوء على لعبة «البوكيمونات» الشهيرة وما فيها من المخالفات الشرعية وبيان عظيم خطرها على مفاهيم الأطفال وسلوكياتهم، فصارت الرسالة بعد تلك الحلقة واضحة والمرسل إليه على مستوى من الوعي والمسؤولية فكانت التغذية الراجعة أو رجع الصدى حملة توعوية مكثفة ضد تلك اللعبة في مدارس البنين والبنات، لكن الفضل - بعد الله - يعود إلى المرسل وهو برنامج دين ودنيا - بارك الله في جهود الجميع.
5- عندما نستعرض بعض حلقات البرنامج في تلك الفترة يتضح بجلاء حجم المادة العلمية الثرية المقدمة من خلال إشباع المواضيع بالتحليل والمناقشة والمداخلات وكذلك طرح بعض القضايا الحيوية التي ربما استدعى تفاعل المشاهدين معها إلى تمديد وقت الحلقة نصف ساعة فوق وقتها المحدد أي بعد موجز أنباء الواحدة والنصف حتى رأينا البكر غير مرة وهو يلجأ أمام الكم الهائل من الاتصالات والفاكسات إلى جعل الحلقة على جزءين كما حدث بالضبط في حلقة السحر وغيرها، ولعلي أعيد إلى الأذهان بعض عناوين الحلقات بإيجاز.
فلسطين بين تقديس المكان وتدنيس الزمان.
المكونات الثقافية للجاليات الإسلامية في الغرب.
الشراكة التربوية بين البيت والمدرسة «نحو تعليم أفضل».
قضايا طبية معاصرة.
القدس في التاريخ الإسلامي.
حقوق الإنسان بين النظرة الغربية والنظرة الإسلامية.
ألفاظ ومفاهيم في الميزان الشرعي.
التعليم بين ثقافة الإيداع وثقافة الإبداع.
الوصية أحكام وحكم وآداب.
علم البرمجة العصبية.
وختاماً أقول إن الخلفية العلمية الغزيرة والبراعة في إدارة الحوار والمناقشة وحسن اختيار الوقت المناسب لتلقي الاتصالات وقراءة الفاكسات والابتسامة الدائمة التي تميز بها الشيخ عبدالمحسن البكر كان لها الأثر البارز في متابعتي ومتابعة الكثيرين لبرنامج دين ودنيا لذلك أرجو أن يعود في القريب العاجل إلى الشاشة الفضية التي افتقدته طوال الفترة الماضية، لانني أعتقد أن الشيخ عبدالمحسن ثروة وطنية إعلامية لم تستغل حتى الآن، والله من وراء القصد وهو نعم المستعان،،،
محمد بن سالم السالم/ الرياض
|