سبق أن طرح الأستاذ شاكر السليم في هذه الصفحة موضوعاً عن زواج المسيار كما طرح في نهاية المقال عدة أسئلة وطلب مناقشة قضية (النتائج المترتبة في حال ما إذا انتشر هذا الزواج وأصبح ظاهرة).
كما تطرق إلى نفس الموضوع الكاتب الأستاذ عبدالله بن بخيت في زاويته (يارا) في مقال (مذكرات نبيلة عبيد) وذكر أنه متشوق لقراءة المذكرات ليعرف من هم مخترعو الزواج السري في العالم وزواج المسيار لأنهم بزعمه هم الذين ادعوا في تلك الأيام أنهم يقودون نهضة المرأة.
من خلال هذين المقالين وقطعاً للاجتهادات وخاصة الشرعية أود أن أشارك الأستاذين في هذا الموضوع (زواج المسيار) ويدخل فيه (الزواج السري) الذي أشار إليه ابن بخيت وذلك عبر النقاط التالية:
أولاً: تعريف زواج المسيار: هو أن يعقد الرجل على امرأة عقداً شرعياً مستوفي الأركان والشروط، لكن تتنازل فيه المرأة عن حقها من النفقة والسكن..
ثانياً: تاريخ ظهوره: هو من المسائل المستجدة في هذا العصر، فقد ظهر لأول مرة في منطقة القصيم ثم انتشر في المنطقة الوسطى وغيرها، ويذكر أن الذي ابتدع الفكرة وسيط زواج وأذكر هذه المعلومة بناء على طلب ابن بخيت وإن كنت لا أوافقه في زعمه أن الذين اخترعوه كانوا يدعون أنهم يقودون نهضة المرأة إلا إن كان يقصد (الزواج السري) فهذا صحيح، وهم الذين يطالبون الآن بقيادة المرأة للسيارة، وبكشف وجه المرأة بحجة أنه مباح وغيرها من الأمور.
ثالثاً: سبب ظهوره: الذي أدى إلى وجود هذا الزواج وانتشاره هو وجود عدد كبير من النساء بلغن سن الزواج وتقدم بهن العمر ولم يتزوجن، أو تزوجن وفارقن أزواجهن لموت أو طلاق، كما أن بعض الرجال يرغبون في التعدد لكن زوجاتهم يرفضن ذلك أو أنهم يخشون من تأنيب زواجاتهم وأولادهم عليهم فيرون الحل في زواج مسيار يوقعه في السر.
وسبب آخر: وهو أن بعض الرجال يكون له أعمال تلزمه بقضاء وقته في بلدين فيتخذ في كل بلد أهلاً وداراً.
رابعاً: حكم هذا الزواج: اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم هذا النوع من الزواج على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الإباحة وهو قول سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ عبدالعزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء والشيخ ابن جبرين حفظه الله وغيرهم كثير من العلماء والأظهر أن هذا هو القول الصحيح كما أن من العلماء من أباحه ولكنه يرى مكروهيته ومنهم الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء حيث يقول فضيلته: «هذا الزواج بهذا التصور لا يظهر لي قول بمنعه وإن كنت أكرهه، واعتبره مهيناً للمرأة وكرامتها، لكن الحق لها وقد رضيت بذلك وتنازلت عن حقها فيه» كما ذهب إلى هذا القول الدكتور يوسف القرضاوي حيث يقول: «بعض من عارضه كره الأمر، وأنا معه أكره الأمر، أرى أنه مباح مع الكره، لا نقول إنه واجب، نقول إنه حلال ولكنه لا يحبذ ولايستحب، ونخشى أن يكون من ورائه الأضرار وخلافها».
وكذلك ذهب إلى هذا القول الشيخ سعود الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام حفظه الله.
ولهؤلاء المبيحين أدلة ومنها: أن هذا الزواج تتوافر فيه الأركان والشروط فلا يصح منعه، وكذلك استدلوا بما ثبت في السنَّة أن أم المؤمنين سودة وهبت يومها إلى عائشة وقبول الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ما يدل على أن من حق الزوجة أن تسقط حقها الذي جعله الشارع لها كالمبيت والنفقة.
كما أن في هذا الزواج مصالح كثيرة فهو يشبع غريزة الفطرة عند المرأة، وهو بلا شك يقلل من العوانس اللاتي فاتهن قطار الزواج.
القول الثاني: القائلون بالحرمة ويقف على رأس هؤلاء الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله حيث يقول: «إن في هذا الزواج استغلالاً من الرجل للمرأة فهو يلبي رغباته الجنسية لا هدف له إلا ذلك من غير أن يتكلف شيئاً في هذا الزواج، كما أنه قد يقدر للزوج أولاد من هذه المرأة وبسبب البعد عنها وقلة مجيئه إليها سينعكس ذلك سلباً على أولاده في تربيتهم وخلقهم.
كما علل غيره بأن هذا الزواج يتنافى ومقاصد الزواج فليس المقصود من الزواج في الإسلام قضاء الوطر الجنسي، بل الغرض أسمى من ذلك، وقد شرع لمعان ومقاصد اجتماعية ونفسية ودينية، وزواج المسيار لا يتحقق منه مقاصد الزواج الشرعية من المودة والرحمة والسكن وحفظ النوع الإنساني ورعاية الحقوق والواجبات التي يولدها عقد الزواج الصحيح، كما أن هذا النوع من الزواج سيكون مدخلاً للفساد والإفساد.
القول الثالث: المتوقفون في المسألة: ومنهم فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله حيث أباحه أولاً ثم لما رأى أنه بدأ ينتشر وأنه قد يترتب عليه أضرار توقف عن القول بإباحته.
خامساً: الفرق بين زواج المسيار والزواج السري:
الزواج السري هو الذي تم بإيجاب وقبول بين الرجل والمرأة من غير ولي ولا شهود ولا إعلان وهو الزواج الذي انتشر بين الفنانين كما أشار إلى ذلك الأستاذ عبدالله بن بخيت، وهذا الزواج باطل باتفاق أهل العلم وفي ذلك يقول شيخ الإسلام «نكاح السر الذي يتواصى بكتمانه ولا يشهدون عليه أحداً باطل عند عامة العلماء وهو من جنس السفاح «مجموع الفتاوى ج 33 ص 158.
أما أن تم الإشهاد على هذا الزواج وتواصى الزوجان والولي والشهود على كتمانه وعدم إذاعته فهذا زواج باطل عن الإمام مالك صحيح عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
أما زواج المسيار فقد سبق الكلام عنه وأنه كالزواج المعروف لكن تسقط المرأة منه حقها من المبيت والنفقة.
سادساً: لقد جاء الإسلام بالتعدد ليحل كثيراً من المشكلات التي تعاني منها النساء قبل الرجال، كما نجح نظام تعدد الزوجات في القضاء على مشكلة العنوسة في الديار الإسلامية على مدار التاريخ الإسلامي بصورة كريمة ليس فيها امتهان للمرأة أو تحقير لها، واليوم انحرف بنا السبيل فقد أثر الغرب فينا وكره إلى النساء والرجال نظام التعدد فكاد أو حصل فعلاً أن كثيراً من المسلمين يعدونه جرماً وانحرافاً فنشأت المشكلات التي يعاني منها الذين حرموا نظام التعدد، وعلى رأسها الكم الهائل من اللواتي لا يجدن زوجاً، فلما أردنا أن نحل هذا الإشكال لم نعد إلى النظام الذي شرعه الله ولكن عدنا إليه ممسوخاً مشوهاً ثم اختلفنا في حكمه وضرره ونفعه.
ولمن أراد الاستزادة حول هذا الموضوع فليرجع إلى كتاب «مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق» للشيخ أسامة عمر الأشقر، كما يوجد كتاب آخر بعنوان (زواج المسيار، دراسة فقهية، واجتماعية نقدية) لعبدالملك بن يوسف المطلق.
خالد محمد العيد/ بريدة
|