إعداد : فهد الغريري
عندما نتكلم عن شخص مثل بكر الشدي فنحن لا نتكلم عن مجرد ممثل لأن هذا الجانب هو أقل الجوانب شأناً من بين الجوانب الكثيرة في شخصيته. جاء ذلك الفتى النحيل الأسمر من الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية وتحديداً من العيون في الأحساء واستقر في الرياض ليكمل دراسته الجامعية ليس كما يكملها الباحث عن الشهادة والوظيفة فقط بل كما يكملها الباحث عن المجد له ولجيله ولوطنه، ولا أدل على ذلك من اهتمامه بنشر الوعي بأهمية المسرح بين أترابه وأبناء جيله وليس أي مسرح بل المسرح المثقف الراقي الواعي الملم باللغات والثقافات الأخرى بعد تمكنه من لغته الفصحى، شارك بفاعلية في جمعية الثقافة والفنون واشتهر من خلال امتلاكه لمفاتيح النجومية وتمكنه من أدواته الفنية وتنوع مواهبه وشخصياته التي يقدمها ما بين ممثل ومقدم لبرامج الأطفال يزرع البسمة على شفاه الكبار قبل الصغار، ولأنه:
«إذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام»
|
لم يتوقف الفتى الطموح عند هذا الحد ، فغادر الى الولايات المتحدة لتحضير رسالة الماجستير في نفس مجاله الفني، ولك ان تصدق حتى عندما كان هناك لم ينس المسرح ولم ينس أن يقدم صورة مشرفة لبلده عن طريق تمثيل مسرحيات باللغة الانجليزية، ولأنه «من طلب العلا سهر الليالي» فإن عقلية متقدة كعقلية بكر لن ترضى بأقل من الدكتوراه ولذلك غادر الى بريطانيا ليحصل عليها من هناك وفي الموضوع الذي طالما أحبه وشغف به: المسرح.
بكر بملابس الدكتوراه
خلال العشرين سنة الماضية قدم بكر الشدي قرابة المائة عمل تنوعت ما بين المسرحيات والمسلسلات والسهرات التلفزيونية والبرامج المنوعة وغيرها وغيرها، كان خلالها نموذجا للفنان الملتزم بفنه وأخلاقياته وهمه الثقافي والفكري، وقدم أجمل صورة لأبناء بلده في البلدان الأخرى من خلال ثقافته الراقية وأخلاقه العالية وانضباطيته وكرمه وطيبة قلبه الشديدة وحسن معشره مع الجميع.. بشهادة الجميع.
عندما أصيب بمرضه الخطير الذي يعاني منه حتى الآن فدخل على إثره الى مستشفى التخصصي، انتشر الخبر كالنار في الهشيم ليس في الأوساط الفنية والاعلامية السعودية والعربية فقط بل في أوساط العائلات وبين جدران المنازل حيث ارتفعت أكف كبار السن من شيوخ وعجائز بالدعوات لمن يذكرونه فتى نحيلا أدخل البسمة على شفاههم وشفاه أطفالهم بأدواره الكوميدية تارة وأبكاهم بأدواره التراجيدية تارة أخرى، هؤلاء الأطفال الذين غدوا الآن شبابا ورجالا كبروا مع فنه الذي كبر فعلقوا عليه الآمال نجما مستقبليا صاحب بصمة فنية مميزة، وإذا بالمرض يوقف مسيرته الفنية العظيمة فجأة، وإذا بالقلوب تقف معه والألسن تلهج بالدعاء له ليس في السعودية فقط بل في العالم العربي ككل وهاهي نقابة الفنانين المصريين توفد للرياض نقيبها يوسف شعبان ونائبه أحمد بدير في زيارة خاصة للاطمئنان على بكر.
وعندما تحسنت حالته الصحية استبشر الناس خيراً وتناقلوا أخباره كما تناقلت الصحف أخباره وصوره التي كانت دليلا على عظمة هذا الرجل ومساحة قلبه الشاسعة المليئة بكل ما هو جميل حيث كان أول ظهور اعلامي له بعد ذلك هو زيارته لأحد المشروعات الخيرية المهتمة بالأطفال.. الأطفال الذين أحبهم بكر كثيرا وأعطاهم الكثير.
ولكن مشيئة الله تضع بكر الشدي في ابتلاء جديد فهاهو منزله - الذي لا يملك من حطام الدنيا سواه- يحترق، لتتدهور حالته النفسية ومن ثم الصحية، وليعود في صراع مع المرض المزمن من جديد ملازما بيته «المستأجر»!.
«شواطىء» قامت بزيارة أبوفيصل في منزله برفقة جمع من أصدقائه المخلصين الأوفياء الذين كانوا يتحينون الفرصة لزيارته والاطمئنان عليه، واجتمع عند أبي فيصل الممثل والشاعر والكاتب والصحفي في صورة جميلة من صور الوفاء الصادق، وتبادل الجميع الأحاديث والذكريات السارة ولوحظ على بكر الانشراح والفرح بهذه الزيارة وكان بروح معنوية عالية متبادلا القفشات الضاحكة بما عرف عنه من خفة دم حيث أبدى استعداده لاخراج سهرة تلفزيونية تجمع كلا من الشاعر الشعبي صنيتان المطيري والكاتبين: مشعل الرشيد وعبدالعزيز الصقعبي اللذين ضحكا كثيرا لهذه الفكرة.
أخ للجميع
بعد انتهاء الزيارة استطلعنا آراء بعض الضيوف حول شخصية بكر وحالته، وكان أول من سألناه الفنان راشد الشمراني الذي امتلأت عيناه بنظرات الوفاء والتقدير وهو يتحدث قائلا: بالنسبة لي بكر الشدي ليس مجرد زميل أو صديق فهو أخ ومعلم استفدت من ثقافته ومن الاحتكاك به الكثير جدا خلال 15 عاما كان فيها بكر نموذجاً للفنان المثقف الذي يثريك بما لديه من ثقافة وعلم وأخلاق، وبكر الآن يمر بظروف صعبة ولابد من الوقفة معه والوفاء له سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى الرسمي فهو أحد أبناء هذا البلد المعطاء الذين قدموا الكثير ويستحق ان يرد له بعض مما أعطى في ظل ظروفه الراهنة السيئة جداً.
الإعلام مقصر!
الكاتب المسرحي مشعل الرشيد ألقى باللوم مباشرة على وسائل الاعلام مؤكدا ان الاعلام لم ينقل الصورة الحقيقية لمعاناة بكر ولم يتكلف عناء البحث عن بكر ونقل همومه الى الناس والمسؤولين وإلا فإن هذا النقل كفيل بأن يحرك القلوب والمشاعر للوقوف مع بكر في محنته وخاصة انه موظف رسمي في الرئاسة العامة لرعاية الشباب وقدم من خلال عمله الكثير.
نعاني كثيراً من عزة نفسه
وعندما توجهنا بالسؤال الى صنيتان المطيري الشاعر الشعبي أبدى اعتزازه بعلاقة الصداقة التي تجمعه بأبي فيصل قائلا: أعرف بكراً منذ ما يقارب الخمسة عشر عاما وهو انسان رائع بكل معنى الكلمة ويحمل من الصفات الجميلة الشيء الكثير فهو وفي ومعطاء ومثقف الى أبعد درجة وكثيرا ما تبادلنا الكتب حتى ان نصف مكتبته موجودة لدي ونصف مكتبتي لديه، كما ان لديه خصلة عانينا منها كثيراً وهي عزة نفسه الشديدة فرغم ظروفه الصعبة التي يمر بها صحيا وماديا إلا أنه يرفض ان يناقش هذا الموضوع ويرد كل محاولات الأصدقاء لمساعدته.
بكر.. «رمز»
أما الكاتب عبدالعزيز الصقعبي فقد بدأ حديثه متسائلا: لماذا لا نكسر عادتنا في ان تكريم المبدعين لا يتم إلا بعد موتهم؟! ثم أضاف: بكر الشدي ليس مبدعا فقط بل هو «رمز» من رموز الحركة الفنية والثقافية لدينا وهو رمز مشرف في جميع المحافل والأعمال التي قدمها محليا وعربيا وتقدير هذا الشيء له وتكريمه واجب.. فما بالك بالوقوف معه في محنة صعبة يمر بها ما بين وضع صحي وبين منزل مستأجر وظروف مادية لاشك انها مرهقة لشخص مثل بكر عرف عنه الكرم وطيبة القلب واللامبالاة في تعاملاته المادية مما عرضه للاستغلال وضياع الحقوق كثيراً!.
حتى في مصر يسألون عنه
الممثل ماجد العبيد الذي يتردد بين مصر والرياض نقل لنا صورة أخرى من صور تميز بكر فقد وصف لنا كيف كان نجوم الفن المصري والعربي يسألونه دائما عن حالة بكر الشدي الصحية وكيف تأثروا كثيرا بسماع ما حصل له مشيرا الى الزيارة التي قام بها كل من يوسف شعبان وأحمد بدير نيابة عن نقابة الفنانين المصريين، مؤكدا ان ذلك يعود الى ما عرف عن بكر من أخلاق عالية والتزام مهني وأخلاقي في تعاملاته مما أورثه الحب والتقدير في نفوس الناس أينما حل.
يطلب شيئاً واحداً
كان آخر المتحدثين الفنان صالح الزير الذي قال: بكر لا يريد إلا شيئا واحدا طلبه مني بلسانه وهو: الدعاء الصادق فقط لا غير، وفي وضع سيىء مثل حالة بكر الصحية والمعنوية السيئة ونظراً لما يتصف به من عزة نفس شديدة فقد طلب من محبيه الدعاء الصادق لأنه لن ينفعه مثل الدعوات لعل الله ان يستجيب ويرفع عنه ما ألمَّ به من مرض وتدهور في ظروفه.
نام الضمير وهضمت الحقوق!
أما خالد الخزرج وهو صديق لبكر الشدي فقد وجه رسالة قبل أيام إلى من لديهم معاملات مادية وحقوق لم تستوف لبكر ولم يردوها حتى الآن، مطالباً إياهم بأن يوقظوا ضمائرهم ويقدروا الظروف الصعبة التي يمر بها أبو فيصل وأن يراعوا عزة نفسه وطيبة قلبه التي تمنعه من مطالبتهم بأمواله التي هي حق مشروع له.
وللزوجة الوفية كلمة
أما أم فيصل رفيقة درب بكر فقد رفضت في تصريح لها محاولات البعض استغلال محنة بكر لأغراض شخصية، بل إنها في انعكاس جميل لعزة نفس زوجها رفضت أن تقبل التبرعات الشخصية التي تدخل تحت مظلة «التظاهر»! مشترطة أن تكون من الجهات المختصة فقط.
وأخيراً..
إلى هنا تتوقف أحداث هذه القصة الرائعة والمؤلمة في نفس الوقت لتنتهي بعلامة استفهام: وماذا بعد؟.
«شواطىء» تقوم بنقل صورة متكاملة لمعاناة رجل قدم لبلده الكثير وتوقفت رحلة عطائه لظروف قاهرة ومؤلمة مع سؤال وحيد: ألا يستحق بكر الشدي وقفة صادقة من الجميع؟!.
|