* القاهرة - مكتب الجزيرة - عثمان انور- علي البلهاسي:
مثلت المبادرة الاماراتية لنزع فتيل الحرب الوشيكة على العراق أهمية كبيرة على الساحة السياسية العربية والعالمية منذ اعلن عنها في غمار انعقاد القمة العربية بالقاهرة حيث أحدثت جدلا واسعا واعتبرها كثيرون مبادرة عربية جريئة تهدف بالأساس الى تجنيب الشعب العراقي والمنطقة العربية مخاطر وويلات الحرب القادمة الجدل الذي أثارته المبادرة في الاوساط السياسية يرجع في اساسه الى اختلاف وجهات النظر حول طبيعة الموقف العربي تجاه السياسة الأمريكية في حين يرى البعض ان المبادرة تعبر عن ارادة عربية حقيقية تهدف في الأساس الى تفادي الحرب وحماية مصالح وأمن العراق والمنطقة ككل خاصة وأن صاحب المبادرة الشيخ زايد بن سلطان معروف عنه ذلك . فمن المتفق عليه أن الشعب العراقي هو الضحية الاولى والاخيرة لاستمرار الازمة سواء قامت الحرب بما تحمله من مخاطر وتهديدات لحياة ومصائر ومقدرات الشعب العراقي أو استمرت الازمة واستمر معها الحصار والعقوبات المفروضة منذ عام 1990 وفي كلتا الحالتين يبدو الشعب العراقي على ابواب كارثة انسانية تتضاعف آثارها يوما بعد يوم وستصل ذروتها اذا ما وقعت الحرب ووفق تقارير واحصاءات منظمات الاغاثه الانسانية ومنها منظمة اليونيسيف فقد زادت معدلات الوفيات بين الاطفال بنسب كبيرة وهناك 16 مليون مواطن عراقي ما يزيد على ثلثي السكان يعتمدون في حياتهم على قدر ضئيل من المساعدات الغذائية.
كما ان الاقتصاد العراقي في حالة يرثى لها وهو مازاد من حدة الازمة وساهم في انتشار سوء التغذية خصوصا بين النساء والاطفال. وبعيدا عن الكارثة الانسانية التي يعانيها الشعب العراقي من الحرب وسنوات الحصار والتي ستضاعف الحرب القادمة حجمها وآثارها هناك من المراقبين من يشير الى معاناة الشعب العراقي طوال هذه السنوات وسنوات سابقة عليها سببها سياسة النظام العراقي القائم على التسلط والقمع وهذه المعاناة هي ما يروج لها أنصار الحرب على العراق استنادا الى تقارير موثقه وهؤلاء يرون ان الازمة العراقية لا بد أن تنتهي سواء بالحرب أو بدونها بتخليص الشعب العراقي من هذه الحالة المأساوية.
وحول المبادرة الاماراتية وسبل تجنيب العراق والشعب العراقي مغبة حرب مريرة استطلعت الجزيرة آراء نخبة من المحللين السياسين وخبراء الاستراتيجية.
رئيس القمة السابقة ملك البحرين وبجانبه وفد الإمارات في القمة
مصلحة عربية
يقول الدكتور محمد السيد سعيد المبادرة الاماراتية تتجنب ما تتضمنه الهزيمة العسكرية من اذلال ومهانة للعراق وتدمير البنية الأساسية وقتل وتشريد الشعب العراقي وبحرمان الولايات المتحدة الأمريكية من العمل العسكري المباشر في العراق يتم تفادي ذلك كما يتم تفادي توسيع نطاق الضربة العسكرية لتشمل دولا أخرى كما تتجنب المبادرة احداث انقلاب كامل في موازين القوى الداخلية على المستويين السياسي والطائفي في العراق فالانتقال التطوعي والسلمي الى الديمقراطية سوف يمنح الاكراد دورا اكبر في الحكومة المركزية كما يتمتع السنة والشيعة بدور كبير وهو بذلك يضمن انتقالا تدريجيا من عصر احتكار السلطة الى توزيع افضل لها دون انقلابات أو تصدعات حادة على الاقل مقارنة بما ستحدثه الحرب. كما أن التحول الذاتي الى نظام ديمقراطي يضمن فرصا متساوية لكافة التشكيلات والاحزاب السياسية بما فيها حزب البعث بينما يرجع تفكيك هذا الحزب في حالة قيام أمريكا بغزو العراق مقابل توسع أحزاب المعارضة الاخرى والاهم من ذلك أن المبادرة الاماراتية تتضمن ابقاء العراق في المحيط العربي وبالمقابل سوف تأتي حكومة بفضل الغزو تميل لأمريكا وتنصرف عن العالم العربي فالمبادرة الاماراتية لا تكتفي بالتوجه الى الرئيس العراقي برجاء انقاذ شعبه وبلاده من النتائج الوخيمة والمدمرة للحرب ولكن بما يخدم أيضا المصالح العربية فأي الاختيارين يحقق المصالح الغزو وبقاء القوات الأمريكية في المنطقة لفترة طويلة أم انقاذ الشعب العراقي وابعاد هذه القوات فالضحية الاولى للحرب هي دولة العراق والتي عانى شعبها طويلا وسوف يتعرض لعذابات ومآس لا يمكن وصفها أو قياس مداها ضمن توابع الحرب المنتظره على الصعيد الداخل العراقي وقوع صدام شديد بين اكراد شمال العراق والقوات التركية التي دخلت بالفعل شمال العراق منعا لقيام دولة كردية هذا غير التوابع العديدة الاخرى المحيطة من كل جانب .
الحل الأخير
ويؤكد وجيه ابو ذكرى الكاتب والمحلل السياسي أن قرارالحرب اتخذ بالفعل وقال نحن نعيش الآن ما بعد قرار الحرب وأعتقد انه اذا كانت هناك فرصة لحل سلمي في الساعات الأخيرة فسيكون ليس رحيل صدام حسين فقط بل رحيل صدام والنظام كله وهناك استحالة ان شخصية مثل صدام حسين تضحي بالسلطة ومن الممكن أن يصور له خياله أنه سينتصر اذا ما قامت الحرب .
وأضاف لقد كانت مبادرة الشيخ زايد بن سلطان رئيس الامارات بتنحي صدام حسين رئيس العراق ورحيلة الى المنفى هي الحل المناسب في اللحظات الاخيرة ولا حل غيرها وقد اعجبني تصريح عبد الله بن زايد أمام قمة شرم الشيخ الذي أكد فيه ان من يمارس في شعبه وجيرانه مامارسه صدام حسين ضد امته العربية عليه أن يرحل.
ولا شك أن ما مارسه صدام حسين ضد شعبه وضد جيرانه بشع بالفعل ويكفي انه تجرأ على احتلال الكويت وهدد بضرب الرياض وكان يفكر في احتلال الساحل الشرقي للسعودية وهي كلها تعبر عن نوايا معادية لجيرانه وتهديد الامن لدول عربية شقيقه اما بالنسبة لشعبه فاذا كان هناك جزء صغير من الشعب العراقي مغيب فان هناك جزءا كبيرا يقظ وما رآه الشعب العراقي على يد صدام ونظامه لم يحدث في تاريخ الامم كلها وهناك كتب كثيرة صدرت تحكي عن فظاعة ممارسات هذا النظام ومنها كتاب جمهورية الخوف وكاتبه من داخل النظام العراقي ومازلت أذكر فيه فصلا عن السجون وما يحدث فيها من تعذيب وأهوال تدل على معاناة كبيرة للشعب تحت سطوة النظام.
وأشار ابو ذكرى الى ان تأييده للمبادرة يأتي من منطلق ان ما يراه الشعب العراقي هو الذي يجب أن يكون واعتقد ان رحيل نظام صدام هو مطلب عراقي وعربي ودولي يتفق عليه الجميع فالسيناريو القادم في تصوري بشع والضحية الوحيدة لاستمرار عناد هذا النظام هي الشعب العراقي فالحرب على وشك الحدوث الحشود العسكرية تتزايد يوما بعد يوم والمؤيدون للحرب في الولايات المتحدة كثيرون رغم وجود مظاهرات تعارض الحرب وهؤلاء المؤيديون هم أصحاب المصالح الحقيقية في قيام الحرب وعلى رأسهم شركات النفط وشركات السلاح واللوبي اليهودي داخل امريكا وهؤلاء يمثلون قوى ضغط من النوع الثقيل على صانعي القرار في الولايات المتحدة ويدفعونها الى المضي قدما نحو الحرب.
وأكد أبو ذكرى ان وجود تخوف من امكانية تنفيذ المخطط الأمريكي للسيطرة على العراق أو احتلاله لا يعني الا ننظر الى الامور بنظرة أكثر واقعية فبقاء النظام يعني الحرب والحرب ستعزز الوجود الأمريكي أكثر وتجعل مهمته في تنفيذ مخططاته أسهل بكثير وسيسقط النظام العراقي رغم انف الجميع ولن يدفع الثمن غير الشعب العراقي اما تنحي النظام سلميا برحيله فربما يكون فيه فرصة لإنقاذه من هلاك محقق وفرصة لتفادي الحرب وتجنيب الشعب العراقي ويلاتها اما مواجهة المخططات الأمريكية فتحتاج لتحركات وجهود أخرى ربما يصعب تنحي النظام من مهمة الولايات المتحدة أو يعرقلها ويعطلها لبعض الوقت حتى يمكن البحث عن حلول لكيفية مواجهتها.
النظام قبل الأسلحة
ويؤكد الكاتب الصحفي رضا هلال المحلل السياسي بجريدة الاهرام أن تنحي الرئيس العراقي صدام حسين هو المبادرة الوحيدة والاخيرة التي يمكن تقديمها لتلافي الحرب مشيراالى ان الازمة بين العراق والولايات المتحدة تتمثل في وجود رغبه أمريكية حقيقية في تغيير النظام العراقي وليست القضية هي قضية أسلحة دمار شامل كما تزعم الولايات المتحدة وجودها في العراق .
وقال ان اسلحة الدمار الشامل قد تكون موجودة بالفعل ولكن تقارير لجان التفتيش سواء الحالية انموفيك أو السابقة اونسكوم تؤكد على عدم العثور على اسلحة دمار شامل في العراق وانه تم تدمير أكثر من 90% منها وحتى الان تحاول لجان التفتيش بكل امكانياتها اثبات ذلك ولكنها لم تعثر على شيء .
وأكد هلال ان الموضوع ليس موضوع اسلحة الدمار الشامل ولكنه موضوع تغيير النظام العراقي وهو ما تريده أمريكا وذلك بعد ان فشلت سياسة الولايات المتحدة طوال التسعينات في احتواء النظام العراقي الذي يتمركز على رأسه صدام حسين وتغيير النظام العراقي وفق التوجيهات الأمريكية هو مقدمة لتغييرات اجتماعية وسياسية في المنطقة ككل ولا بد من التفريق بين هدف تغيير النظام في العراق والتغييرات الاجتماعية والسياسية التي تنشدها الولايات المتحدة في المنطقة .
واضاف قائلا: إن تغيير النظام العراقي اصبح امرا محتوما سواء بالحرب أو بغير الحرب واذا قبل النظام العراقي فكرة التنحي سلميا يمكن أن الحرب أصبحت غير حتمية وهو مطلب ليس امريكيا فقط ولكنه مطلب عربي ودولي ان تنتهي الازمة بحلول سلمية وقد اصبح تنحي النظام العراقي هو اخر هذه الحلول.
واشار هلال الى المبادرة الاماراتية التي طرحها الشيخ زايد على هامش قمة شرم الشيخ والتي تناولتها القمة قائلا ان مبادرة الشيخ زايد التي قدمتها الامارات حول تنحي الرئيس العراقي هي الحل الامثل لتنفيذ فكرة التنحي فهي تطلب ضمانات تنحي النظام في حالة قبوله بالتنحي بعدم الملاحقة القانونية وتطالب في نفس الوقت بوضع العراق تحت اشراف الامم المتحدة والجامعة العربية في فترة انتقالية يحدد فيها الشعب العراقي مصيره وهي بذلك تقطع الطريق أمام اي محاولات امريكية للتدخل في شئون العراق في حال تنحي النظام الحاكم وبذلك تقدم المبادرة حلاً عربياً أمثل لتلافي الحرب والحفاظ على وحدة وسلامة الاراضي العراقية والشعب العراقي .
وحول امكانية تدخل الولايات المتحدة في شئون العراق بعد تخلي النظام العراقي عن السلطة قال هلال ان امريكا يمكن ان تتدخل لمنع الفوضى في العراق بعد سقوط النظام ولكن ليس لتحديد مصيره فالشعب العراقي هو صاحب القرار الاول والاخير في هذا الشأن.
وشكك هلال في امكانية قبول النظام العراقي بهذه المبادرة مهما حصل على ضمانات قائلا ان صدام حسين لا يثق في اي ضمانات تقدم اليه وقد اغتصب السلطة ومن الصعب أن يجد نفسه خارجها ولذلك فلن يقبل النظام العراقي بديلا عن السلطة لأنه يعلم أنه خاسر في الحالتين ولذلك سيستمر في عنادة الى النهاية وأضاف كنت اود ان يتبنى القادة العرب مبادرة الشيخ زايد في قمة شرم الشيخ لتكون طرحا عربيا جزئيا لحل الازمة ومادام تنفيذها مرتبطا بقبول النظام العراقي لها وهو لن يقبل فكان هذا سيعني اعلان وفاة النظام العراقي عربيا.
الحرب من أجل الحرب
وتقول الدكتورة عائشة راتب استاذ السياسة والقانون الدولى ان فكرة تنحي صدام عن السلطة فكرة مطروحة دوليا كأحد الحلول لتلافي الحرب وحل الازمة سلميا ولكن تحيط بها الكثير من المحاذير فقرار التنحي عن السلطة هو قرار خاص بالنظام العراقي ولا يمكن فرضه عليه بمبادرة او حتى عن طريق وساطة وميثاق الامم المتحدة وجامعة الدول العربية يمنع التدخل في شئون الدول ويؤكد احترامه لادارة كل دولة ولذلك فهو في النهاية شأن العراق قد يقبل به الرئيس العراقي أو لا يقبل وفي ظل الظروف الراهنة يصعب التنبؤ بماهية القرار العراقي في هذا الشأن فصدام حسين معروف عنه تمسكه بالسلطة رغم كل المخاطر ونذر الحرب واذا شعر بأنه سيخسر في الحالتين فربما يفضل الحرب خاصة انه لا توجد ضمانات لعدم ملاحقته قانونيا اذا ترك السلطة هو وعائلته وافراد نظامه وحتى ان وجدت هذه الضمانات فهو لا يثق في جديتها وامكانية العمل بها .
وأضافت أؤكد ان هذا القرار شأن العراق ولا يجوز بأي حال من الاحوال فرضه من الخارج او اجبار النظام العراقي على تنفيذه. واذا كان صدام حسين قد ارتكب جرائم حرب أو قام بممارسات توجب ملاحقته قانونيا وتؤكد ضرورة عدم بقائه في السلطة لتهديده للسلام والامن الدوليين وفق المزاعم الأمريكية فيمكن تقديمة للمحاكمة.
واكدت الدكتورة عائشة أن تخلي صدام حسين عن السلطة أو تمسكه بها لا يغير شيئاً وقالت ان الولايات المتحدة تريد الحرب من اجل الحرب وتحقيق اهدافها غير المعلنة وليس من أجل تخليص الشعب العراقي ودول الجوار من شرور النظام العراقي كما تعلن والمعروف أن اهداف الولايات المتحدة من الحرب كثيرة وعديدة ولا يهمها من الأساس وجود صدام من عدمه فقد كان صدام حسين حليفا أمريكيا في الماضي وانتهي دوره في وضع القدم الأمريكية في المنطقة وامريكا تريد العراق وليس صدام حسين والكل يعرف اهداف امريكا في رسم خريطة جديدة للمنطقة بما يتفق مع المصالح الأمريكية والاسرائيلية ويحقق لها السيطرة ولذلك فالمعارضة الدولية التي تزداد يوما بعد يوم للحرب الأمريكية التي باتت شبه مؤكدة على العراق ليست من اجل عيون صدام حسين ويخطئ النظام العراقي اذا ظن ذلك فالاجندة الأمريكية الخفية وفرض القوة دون مراعاة للشرعية الدولية بما يعني ان أمريكا تريد أن تحكم العالم بشريعة الغاب.
ومن ناحية أخرى يرى حافظ ابو سعدة الامين العام للمنظمة المصرية لحقوق الانسان ان المبادرة الاماراتية تمثل حلا استثنائيا للخروج من المأزق الراهن فهي تضمن الابقاء على الشعب العراقي مع وجود ضمانات دولية سياسية سريعة لانتقال النظام العراقي الى الديمقراطية عبر فترة انتقالية تضمن استقرار النظام العام وتؤمن عملية الانتقال كما ان تلك العملية لا بد أن تتم في اطار تفاهم دولي عربي يضمن التزام امريكا بالامتناع عن انتهاز فرصة تنحي صدام للعدوان على العراق ثم ابعاد وسحب القوات الأمريكية في المنطقة.
وعن حق التدخل في الشئون الداخلية قال ابو سعدة إن هذه مجرد مطالبات وتتم في حالات استثنائية درءا لأخطار كبيرة فنحن نعيش لحظة في تاريخنا تحتاج الى كل وجهات النظر وندرك تماما أن الادارة الأمريكية قد وضعت تغيير النظام العراقي كأحد اهم اهداف سياستها منذ فترة مضت والولايات المتحدة الأمريكية لم تكن تعمل على تحقيق هذا الهدف الا من خلال القوة والعدوان على العراق أما فكرة التنحي الطوعي فهذه ليست بفكرتها حتى ان رد الفعل الأمريكي تجاهها كان مرتبكاً في البداية فالمبادرة تقضي بأن تقدم الولايات المتحدة ضمانا بعدم ملاحقة الرئيس العراقي سياسيا أو قضائيا ومعنى ذلك أن المبادرة تخدم المصالح العربية اولا وأخيرا .
|