فركت عينيها وهي تتثاءب كأنما هي تطرد بقايا النعاس المختبئة بين اهدابها، ثم نظرت في ساعة معصمها: انها تشير الى الحادية عشرة صباحاً.
غادرت الفراش، غسلت وجهها ومن ثم جلست امام المرآة لتصفف شعرها، لم تلبث ان سارت الى الصالة حيث تتناول افطارها «شطيرة وكوب شاي» بعد آخر رشفة وضعت الكوب، وتناولت الجريدة اليومية تصفحتها ثم القت بها علي الطاولة امامها: لا جديد نفس الاخبار نفس الصور. قرأتها ورأتها مراراً هي اخبار الامس، وما قبله كوارث، حروب دمار، واخبار اخرى سخيفة لملء الفراغ فقط.
يا الهي شيء ممل ان تكون جميع ايامك كبعضها.
في هذه الاثناء دخل اخوها وهو يكاد يطير فرحاً قائلاً: اين امي
خرجت والدته من المطبخ: نعم يا بني؟ قال وهو يخفي شيئاً ما خلف ظهره: باركي لي يا امي.. مبارك يا بني.. ما الخبر؟!.
اخرج ما كان يخفيه: انظري انه جواز سفر.. الان استطيع ان اتخطى كل الحدود، وأحلق في كل سماء..
لقد شدها حديثهما فهي ايضاً تحب السفر وتحلم بزيارة اجمل بلدان العالم.. اخبرت والدها يوماً بذلك، وجاءها الرد صارماً كقسمات وجهه تماماً:
- سفر البنات عيب. البيت هو مكان البنت.. البيت فقط:
حزنت ودمعت عيناها وجمعت حزنها وألقته في تجاويف قلبها الصغير، واغلقته واغلقت باب غرفتها عليها.
لقد أعطت كل وقتها للدرس، فكانت الاولى دائما حتى حصلت على «الكفاءة» بجدارة، فغمرها فيض من السعادة، اذ ان جزءا من الحلم بدأ يتحقق حيث بدأت تخطط للمرحلة القادمة وما بعدها: لابد ان احصل علي الشهادة فهي المفتاح لعالم كنت ومازلت اتوق الى دخوله.
جاءها صوت والدها كالرعد: انك الآن تقرئين وتكتبين وهذا يكفيك ولا ذهاب للمدرسة من الآن.
حاولت اقناعه بالعدول عن رأيه فلم تستطع استنجدت بأمها وأخيها لكن دون جدوى، لقد قال كلمته وانتهى الامر، وتحول مفتاحها الذهبي الذي طالما حلمت به الى رماد نسفته الرياح.
منذ ذلك اليوم اصبحت حياتها محطة انتظار وبدأ الحلم من جديد في جواز سفر يخرجها من دائرة العيب والممنوع، لكنه جواز سفر من نوع آخر.. نعم لابد انه سيطرق الباب يوماً، وسأخرج من هذه الدوائر الى دنيا اخرى، وسأحقق جميع احلامي. لكنها عادت لتقول لنفسها:
ترى هل ستكون حياتي القادمة افضل من هذه؟ واضافت بعد لحظات تفكير قليلة:
عندما يكتشف اخي بأن سفره الى تلك البلدان ماهو الا استنزاف لجيوبه دون ان يكسب ما يفخر باكتسابه، فانه بلا تردد سيعود..
اما انا فيجب ان استبعد فكرة العودة هذه عن تفكيري، فعودة البنت الي بيت ابيها لغير الزيارة عيب..!
امي تقول ذلك.. نعم عيب، يجب ابعاد هذه الفكرة من رأسي والحفاظ على هذا الجواز مهما يكلف الثمن..
فقدانه يعني العودة مجدداً الى هذه الدوائر وقد اصبحت اكثر رطوبة واختناقاً.
دقات جرس الباب المتقطعة تقطع حديثها مع نفسها، لتنهض بكسل وتفتح الباب.
اطل وجه طفل بريء ناولها ظرفاً كتب عليه اسم عائلتها وانصرف، فضت الظرف.
انها بطاقة دعوة لحضور حفل زفاف ابنة جارهم، اعادت البطاقة الى مظروفها وهي تقول: مبارك يا عزيزتي.
وضعت بطاقة الدعوة على الطاولة امامها. ما لبثت ان قامت منصرفة الي غرفتها تدندن وتفكر بأمر فستان يليق بهذه المناسبة.
|