في هذا العالم الفسيح هناك من يفعل ما بوسعه ليتجنب ويجنب غيره الآلام والأحزان، لأنه جبل على ذلك وفيه من لا يهنأ له بال الا بالعيش في معمعة الخطوب والمآسي، يستلذ بطعم الأسى كما يستمتع غيره بالسلام والدعة، وهذان النموذجان من بني البشر جُبلا على ذلك، وتربيا في ظلال ظروف ساعدت على ظهور مثل هذه الظواهر، وإذا شاء الباري وكان لأحد أفراد هذين الفريقين فرصة لقيادة الغير، تعدت نتائج طباع ذلك الفرد إلى غيره من بني قومه، وقد تكبر مساحة التأثير أو تصغر بقدر ما يملك ذلك الفرد من أثر على غيره، وهذا ينطبق على رب عائلة أو رئيس قسم في دائرة صغيرة، أو قد يمتد الى رئيس دولة أو قائد أمة.
عاش رسول الهدى في أمة تقتل دون حق وتظلم دون رحمة، فنشر الإسلام والسلام والعدل والخير والوئام، فقد جاء عليه الصلاة والسلام ليتمم مكارم الأخلاق، وسار على نهجه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، فعاش الناس في خير وطمأنينة ووئام.
وفي حاضرنا اليوم يعيش العالم أحداثاً جساماً لم يعد البعض منا معها يفرق بين الخطأ والصواب، والظلم ودرء الظلم، ونشر العدل أو حب السيطرة، كما حلت المصالح محل القيم، ولعبت وسائل الإعلام دورا بارزا في خلط تلك الأوراق، حتى أن البعض منا قد يبيت ليلته ولديه رأي معين، ويصبح وقد مال إلى رأي مغاير، لكن ذوي الألباب والنهى يدركون المرامي والمقاصد من أي مواقف قد تتخذ، وفي الوقت نفسه قد يغيب عن البعض ربط المواقف بطبائع النفس البشرية، وأثرها على القرارات المصيرية بغض النظر عن دراسة المعطيات ومن ثم اتخاذ القرارات بناء عليها، فالنفس البشرية المجبولة على الخير تزين لصاحبها الأخذ بالمعطيات والدلالات التي تجعله يغلّب جانب الخير وتجنيب نفسه وغيره الشرور والمآسي، أما النفس المجبولة على غير ذلك، فهي تدفع بصاحبها إلى استمراء السوء فيظنه حسنا ويسير في ركابه {أّفّمّن زٍيٌَنّ لّهٍ سٍوءٍ عّمّلٌهٌ فّرّآهٍ حّسّنْا} .
لقد عاشت هذه المنطقة كثيرا من المآسي والأحزان، كان يمكن تلافيها لتعيش في أمن وأمان لو أن النفس الخيرة كانت هي الغالبة، كما أنه يمكن للعالم في هذه الأيام العصيبة ان يتلافى الكثير من المآسي لو أن البعض عمل على تجاوزها باتخاذ بعض القرارات المفيدة ليتم تجنيب المنطقة مآسٍ لن يكتوي بنارها سوى أبناء هذه المنطقة.
نستمع إلى وسائل الإعلام، فنسمع حديثا عن المصالح والمنافع التي يمكن الحصول عليها عند اتخاذ قرار معين، لكنني لم اسمع أن قراراً ربما يتخذ من منطلق القيم والأخلاق والعدل والإنصاف إلا في النادر.
لقد جاءت الكتب السماوية لتهذب النفس البشرية من أطماعها، ولتنشر الفضيلة بين الناس، فالرسالة السماوية تعتبر جسراً قوياً، ورادعاً عظيماً للنفوس غير الخيرة في أن تتمادى في غيها لأن مخافة الإله تغيب عن ناظريها أما النفوس الخيرة، فإن ما جاءت به الكتب السماوية تزيدها خيراً على خير، وتمتلىء بالسخاء والمحبة والعطف والتسامح.
والعاقل من يعمل الخير، ومن ثم يوكل أمره إلى بارئه فإنه لا يخيبه، ويعيش مطمئن البال عالي الهمة، فإن الله هو الحافظ، داعين المولى أن يديم علينا الأمن
|