لا أعرف ندوة من الندوات، في أية مؤسسة من المؤسسات، تفاعل معها المجتمع بكافة شرائحه ووسائله كتلك التي تنادت إليها قيادات التربية والتعليم في الأيام المنصرمة. هذا التفاعل قد يكون من أسبابه: قصور أداء أجهزة التربية والتعليم، أو التفاؤل بتجاوب المعنيين في هذا الجهاز مع ما يطرح، أو هو هم اجتماعي مناط بكل فرد تحتم عليه المسؤولية إبرازه. هذه احتمالات قد يكون هناك غيرها لم استطع تبينها، لكني تفاءلت كثير التفاؤل، ووثقت تمام الثقة اننا لن نخرج من ندوتنا صفر الأكف، إنما لم يدر في خلدي تلك الضغوط الاجتماعية التي دفعت بوزير المعارف ومن منطلق حسه الإيماني إلى تبني دراسة أداء القسم للمعلمين حسبما صرح به.
للقسم حرمته وعظمته عند الله، وقداسته ورهبته عند الإنسان، وللمعلم هيبته واحترامه عند الطالب، وللتربية حظوتها ومكانتها عند المجتمع، ومتى استشعر صاحب الرسالة هذه الحرمة وتلك الهيبة والحظوة ضحى بالكثير من أجل المبدأ وسمو الغاية ونبل الهدف. ولن نكون بأي حال من الأحوال في سمو أهدافنا وغاياتنا وانتماءاتنا الدينية والوطنية أقل من شعوبٍ وأممٍ حاسبت حساباً عسيراً من دفعت به للنهل من حضارات الأمم الأخرى ورجع خالي الوفاض.
القسم يا معالي الوزير: سيجعل المعلم في مواجهة أمام الضمير وسلطة الذات، حينما تقوده نفسه الأمارة بالسوء شأنه شأن البشر إلى ممارسة أي سلوك خاطئ، قد لا تدركه رقابة البشر مهما أوتوا من قوة، وسنوا من تشريعات، لأن القسم إن نحن استشعرناه حق الاستشعار خيط موصول في ذات الإنسان المؤمنة يشدها عن نزواتها وهفواتها، ويقيها شر ملذاتها وشهواتها، فالشعور الوجداني حياله يعزز مسيرة الإنسان في حياته، ويبعث له آمالاً عريضة في آخرته إن هو تمثل معانيه وامتثل لها.
القسم يا معالي الوزير: سيضع معاشر المربين والمعلمين في المواجهة مع أهداف سياسة تعليم بلادهم بكافة أبعادها، بعد أن اتخذها شريحة منهم في ظل غياب الوازع الديني عند بعضهم صورة يحاكون بها غيرهم من شرائح المجتمع الوظيفي.
القسم يا معالي الوزير: التفاتة منك تلفت الأنظار إلى ان حماية عقولنا وأفكارنا وثقافتنا وسلوكنا وتشكيل شخصيتنا أهم مما نمتلكه من ماديات يقسم عليها الآخرون.
القسم يا معالي الوزير: سيضع عن كاهلك بعض ما حملت إياه، يوم ان أقسمت أمام ولاة الأمر على قيادة سفينة التربية، فبمشاركة من هم تحت إمرتك بالقسم سيتلاشى ذلك الهم الذي لازمك، أو شعرت كأي إنسان بالقصور في معالجة ما يزعجك سماعه أو رؤيته.
القسم يا معالي الوزير: ستتحطم أمامه كل العقوبات أو الأنظمة التي وضعها البشر، وسينتصر الحافز أو الدافع الإيماني، لأن وراءه قوة إلهية نافذة تحرك الذات، وتضعها أمام عاملي الرجاء والخوف. والثواب والعقاب.
القسم يا معالي الوزير: سيتلاشى أمامه البريق الإعلامي الذي صور لك بعض الإنجازات بالكلمة الساحرة، والصورة الجميلة، والذي انسقنا إليه من حيث لا نشعر نحن وإياك واحتسبناه رصيدا من الإنجازات لا يفوقه رصيد، فالقسم يقرن صاحبه بالأعمال، أما ما عداه فسينقاد له من غير ان نسعى إليه.
القسم يا معالي الوزير: فكرة من الأفكار التي اهتديت إليها، بعد ان طوفت بك التجارب في مطافات عدة، وفي أمصار عديدة، مختلفة الايديولوجيات، وربما خرجت منها بشيء واحد، وهو انه لا محرك للإنسان سوى وجدان يقظ. وأي وجدان أنقى وأسمى من ذلك الذي تعلق بموجده، وشخص إليه في كل ما يأتي ويذر من سائر أعماله.
القسم يا معالي الوزير: إن هو رأى التطبيق إبان قيادتك لهذا الجهاز، لا أشك أو يشك غيري بأنه بادرة عظيمة، ومشروع هادف، ستنقلب أمامه موازين كثيرة لتجارب كثيرة شالت بغيرها على حين غفلة منا، وإن أردت تبين ذلك، فاستكتب من تشاء، وامض لما وفقك الله إليه، فربما كان الخلاف على صيغة القسم لا على فكرته.
|