هل لأنها الرواية التي لم تمتط صهوة الصراخ او الزعيق العقائدي، لم تتوسل بالتابو والمحظور الذي يحملها الى البوابات الاولى سواء من خلال الجنس اوالتجديف العقائدي؟
هل لأنها تحدت اسطورة اننا شعب لا يقرأ، او لربما شعب متورط بالسطحية والتفاهة، والرواية رغم صفحاتها الاربعمائة، قرأها الكثير، وكتب عنها الكثير ايضا، واثبتت بأننا نقرأ في حال وجود شيء يتحدى البائت والمكرور والممل.
هل لأنها كانت على المستوى الفني بناء منسجم متناغم، الحدث في خدمة الشخصية والشخصيات تضج بالحضور الذي يختطفنا منذ الصفحات الاولى، كم من رواية نقرأها نلمس الشخصية مفتعلة والاحداث متعسفة واستجلاب قسري للتاريخ والرمز بشكل يخلخل بنيان الرواية ويؤذي روح القارئ ويخدش ذائقته.
لكن سقف الرواية كان نزيفها ينهمر في اودية الصفحات قطرة خلف قطرة، كلما انهكنا طول السرد، اوعدتنا بروق العبارة ورعود الاسلوب.
محمد حسن علوان في هذه الرواية موهبة تعلن عن نفسها بجسارة ودون مواربة كم ابتهجت يوما ما برواية «ليلى الجهني» الارض اليباب، ولكن تلك الرواية ظلت وحيدة يتيمة وتوارى صوت ليلى.
هل كانت رواية الارض اليباب لليلى الجهني رسالة البحر المعبأة في زجاجة نفثت بها بعض من روحها وتوارت، قصة مطلع الصبا وجراح الصبابة، ومن ثم الخيانة العظمى للفن فتكون مجرد نوستولجيا حادثة وليس عملاً فنياً واعداً.
وهذا هو التحدي الذي يواجه محمد علوان هو السقف الذي يترصد بسقف الكفاية، القصة على كل حال هي النسخة الحديثة من الاسطورة العذرية القديمة، لكن تميزها يكمن في البنيان الذي اظهرها، وبالخيوط التي ضمت نسيجها، وبالوعود التي تضمها تربتها.
عنوان الرواية متكلف وغريب ولا ينسجم مع تفاصيلها وعمقها، لكن الأهم من كل هذا ان لا تتحول الى سقف يحجب الضوء عن حقل محمد حسن علوان الروائي.
ذلك الحقل الذي اتمنى ان لا تغرقه مياه الاطراء، ولا ان يجففه شحوب الفعل الثقافي وضآلة ردود افعاله.
حقل يجب ان يكون تحدي محمد علوان الاول هو رعايته وحراسته من غربان الارض والسماء.
أخيراً..
الرواية لا توزع في الرياض، ونتداول منها نسخاً مصورة، مع التحية لهيئة المراقبة المبجلة في وزارة اعلام.
|