كل واحد يَصْفُق كفَّه بكفِّه الأخرى، ويزمُّ فمه.. وعلامة الدَّهشة الكبيرة التي لم تعد خفيَّة تأخذ افتراشها بسعته على وجهه...، حاله يقول: لا حيلة، ولا فهم!! الكلُّ في معيَّة الأحداث، واحداً في قطيع...، ليس هناك من يتقدَّم...، فقط هم يتناكبون بؤساء!!...
وتتذكَّر تلك القصة الطويلة التي تلاقفتها يداها، وهي في بدايات تدريب مخارج النطق في فمها...، ومعاقرة حدقتيْ عينيها لسرب الكلمات، تتابعانها أينما تذهب، في خطوط الكتاب، تذهبان...: البؤساء، وتتحلَّق في المساء حول مجلس أبيها...، كي تسمع صوته الهادئ العميق، وهو يقصُّ لها: بؤساء الفقر، بؤساء الجهل، بؤساء الإيمان...، بؤساء الأخلاق...، ويقف عند زاوية هدفه الأكبر: يقول لها: ليس البائس مَنْ لا ثوب له ولا لقمة، ولا مأوى!!، البائس الحقيقي يا صغيرتي هو مَنْ لا حيلة له من عقل، أو قلب...
وتعود بها الذاكرة تُنبِّش عن سؤالٍ بريء ألقته في مواجهة الجلوس: أنا لا أرى العقل ولا القلب؟ ضحك أبوها وضمَّها إليه وهو يقول: هما فعلُ الإنسان يا صغيرتي!! وتتابع انثيال ذاكرتها: فعل الإنسان وحده ما يرفع عنه بؤسه!!
وأفاقت من ذكرياتها: الكلُّ يَصْفُق كفَّ يده بكفِّها الأخرى: لا حيلة...، وتذهبُ تتفكَّر في قلوب وعقول هؤلاء، ويعاودها سؤال الطفولة: أينها هذه العقول والقلوب؟!
ولأنَّها لا تراها حقيقةً تتماثلُ...، إذ لا أفعال لها فلقد أدركت أنَّه زمن البؤساء...، هذا هو زمن البؤساء!!
ربَّتت على موقع ذاكرتها في رأسها وقالت: كلُّنا بؤساء.. لا حيلة لنا..
إنّه زمنٌ تراجعت فيه العقول والقلوب عن أفعالها...
واختلط الناس في ضوء الأحداث قطيعاً يتزاحمون...!
كلُّهم بؤساء...، ودلفت إلى حجرة مكتبها تبحث عن رواية البؤساء!! كي تخرج من القطيع!!.
|