Thursday 13th march,2003 11123العدد الخميس 10 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في الاقتصاد في الاقتصاد
أمركة الاقتصاد العالمي
د. سامي الغمري

هناك رؤيتان متناقضتان للأمركة. الأولى تتطلع الى التعاون والمكاسب معها، والأخرى تتحفظ على المخاطر والخسائر منها. ووفق هذا التصور باتت الأمركة دعوة الى تبني النموذج الأمريكي في الاقتصاد والثقافة وطريقة الحياة بوجه عام. ويبدو ان الدعوة جاءت في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الدولية التي شاركت في بلورتها عدة عوامل منها انهيار الاتحاد السوفيتي، وانحسار حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي. حقبة كان من الاستحالة فيها تحقيق دعوة الأمركة كظاهرة عالمية نظرا لاختلاف المعطيات والمبادىء العقائدية المكانية. إلا ان نهضة التقنية والاتصالات والمعلومات مهدت الطريق أمامها وساعدت بدورها في زيادة معدلات التبادل التجاري والحضاري عبر القارات. ودعم الدعوة مؤخراً خروج الشركات الأمريكية وتعيينها مسارات التعاملات الاقتصادية والاجتماعية التي بها تم رسم التحول السريع لمعظم الدول الى نظام السوق الحر، والتي أيضا أبرزت مفهوم الأمركة في النظام العالمي الجديد بعدد كبير من القوانين الاقتصادية لتحرير التجارة الدولية من القيود الجمركية ولفتح الأسواق على مصراعيها أمام منتجات الشركات الأمريكية العملاقة. فكانت الجات اتفاقية للتخلص تدريجيا من حماية المنتجات ولفتح الأسواق أمام الاستثمار الأمريكي بوجه خاص، مطالبة بقبول تحولات جذرية في الهياكل الثقافية والاجتماعية لشعوب العالم. وهادفة في مضامينها خدمة وانتشار الأمركة في أطر ومفاهيم حديثة تتخذ كمقياس ومعايير لكل الثقافات رغم التباينات الحضارية لكل لون ولسان. وكان من نتاجها ان تمخضت عدة اتجاهات متفاوتة لتبني الدعوة أو عدمها أدت بعضها الى تعطيل خطط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1998 في مدينة سياتل الأمريكية. فهناك اتجاه معارض يرى ان أمركة الاقتصاد العالمي لم يتم فيه توزيع الحصص ولا المصادر ولا الثروات ولا الصناعات توزيعاً عادلا منصفا مرضيا للجميع. وآخر يرى ان تعطيل وتأخير المباحثات التجارية على المستوى العالمي سوف يؤثر سلبيا على برامج التنمية والتطوير في الدول النامية حيث انها دول نامية تفتقر الى البنى التحتية الأساسية، وتتصف بمعوقات أمنية تحد كثيرا من الاستفادة من الدعوة. كما ان بعضا منها دول فقيرة تقف فيها المعوقات حائلا امام استغلال الفرص المتاحة التي تمكنها من احداث تغيرات ايجابية أو زيادات في معدلات النمو العام لها. بالاضافة الى انها دول تفتقر الى القدرة التنافسية في الأسواق العالمية ولمنتجاتها لضعف مؤهلاتها البشرية ولنقص قدراتها العلمية والتقنية والمالية. ومن ثم فان تنمية الدول النامية يحتاج الى مساعدات خارجية توفر لها البنية الانتاجية الجديدة للمشاركة في التجارة واقتحام أسواقها الدولية. يبدو ان مصير الأمركة بعد أحداث سبتمبر يكاد ان ينحصر في الحد من الآثار السلبية لها في تهميش الدول النامية، وفي تعظيم فوائدها لاعادة هيكلة نظام الاقتصاد والتجارة للعالم أجمع. وهي تحديات يفرضها الوضع الاقتصادي العالمي الراكد والأزمة العراقية الحالية، ويفرضه أيضا التراجع في معدلات النمو والزيادة في نسبة البطالة والتراجع في معدلات الادخار الفردي لدول العالم الثالث. ويحدد بوضوح الموقف وانقسام المجتمع العالمي للدعوة من حيث هل هي قابلة أو غير قابلة للارتداد؟ وهل هي تتماشى مع التقاليد والأعراف والقيم الموقعية؟. أعتقد ان الأمركة هي أعلى مراحل الرأسمالية أفرزها الوضع العالمي بعد التسعينات الميلادية، فيها اندفعت البشرية الى تقليدها والأخذ بقوة، وسوف تستمر سائدة في عنفوانها الى ان يتم ظهور أقطاب حضارية منافسة للدعوة. ويبقى للمجتمعات المهمشة والتي تعتقد بأن الأمركة تهدد مكتسباتهما ومعتقداتهما غير قادرة على المتابعة والمساهمة العملية والانتاجية الحديثة. وسوف تصور عالميا بأنها مناطق عاجزة متخلفة تحتوي على بؤر للارهاب والحروب والأزمات المتواصلة. نعتقد ان الفجوة بين الرؤيتين سوف تزيد بعداً واتساعاً وسوف تشهد المنطقة المزيد من التصادمات الحضارية.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved