وجه آخر لأبها
د. سهام العيسى

أشعة الشمس تلملم أشعتها وهي تتوارى خلف الجبال، أنفاس المساء تخيم على تلك المدينة الجميلة.. وها هي أبها بجبالها الشامخة التي يختفي بعضها خلف الضباب ويعانق الآخر نثرات الغيم، مساء يوم ربيعي بأرض الخصب والشعر والفن، أبها كما عرفتها وعرفت الكثير من أهلها أهل خير وعلم ورقة قلب.
منذ أكثر من خمس سنوات كانت آخر زيارة لي لأبها.. تقول لي إحدى صديقاتي في المدينة: تغير كل شيء سترين وجهاً «آخر أكثر ضياءً وجمالاً».
في فندق قصر أبها تصافح عيناك وتقتحم داخلك تلك اللوحة التي رسمتها السيدة فاطمة بنت علي آل قاحص من رجال ألمع، هذه المرأة كأي امرأة عسيرية يتغلغل الفن داخلها، هذه اللوحة التي أصبحت أحد معالم قصر أبها نقشتها الفنانة العسيرية، وهي في الثالثة والسبعين، وكان لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الدور الأساسي في إبراز هذا العمل وغيره من الأعمال الفنية التي يتميز أهل هذه المنطقة بها.
خلال تواجدي في أبها لحضور ندوة «نحو تربية بيئية أفضل» كنت في ساعات الاستراحة أحاول التعرف على معالم المدينة وأرى الوجه الهادئ من دون ضجيج الآخرين: السودة، ودلغان، والقرعاء، وحتى الحبلة كانت أكثر من رائعة، جبال وأسرار وحكايا والشمس ترحل وتختبئ خلف الجبال وتتصاعد ويرتفع الضباب من الوادي يحمل الحلم ليتحرر من جاذبية الأرض وينثرها على رؤوس الجبال ويمطرها أملاً في قلوب البشر.
خلال تجوالي اكتشفت كم هذه المدينة الجنوبية رائعة بهدوئها الشتوي، وبما السياحة هي الصناعة الاقتصادية المعاصرة، فلماذا لا يتم تحويلها الى مشتى خلال إجازة الربيع، وذلك بتشغيل ربع أو نصف الخدمات وليس بكاملها، فخلال رحلتي تلك كانت أغلب تلك الخدمات متوقفة تماماً.
جامعة الملك خالد الوجه الحضاري المضيء لهذه المدينة الجميلة، وهي الجامعة الثامنة في المملكة بدأت أول خطواتها المباركة عام 1419هـ هذه الجامعة الفتية التي بدأت تسير بخطوات ثابتة وقوية لتساهم بقوة في خدمة هذا الوطن.
وهي لم تقف عند حدود التأسيس بل كانت خطواتها قوية وموزاية لبقية جامعات المملكة الأخرى، ومنذ البداية عملت ادارة الجامعة على إيجاد توازن بين متطلبات الانشاء والعملية التعليمية وبين الاسهام في خدمة المجتمع الذي تم تحت مجالات متعددة مثل الدورات، حيث قامت الجامعة بتنظيم عدد من الدورات العلمية والندوات التي كانت مواضيعها تتميز بدقة الاختيار، وكان آخرها ندوة «نحو تربية بيئية أفضل» التي امتازت بحسن تنظيمها منذ البداية وتميز الكثير من أوراق العمل المختارة، وكان هذا سبباً «قوياَ» لنجاحها، ولكن يبقى الأهم هو أن يتم تفعيل توصيات بحيث تكون نقطة الانطلاق لتحقيق أهداف هذه الندوة المميزة.