هو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود بن مقرن بن مرخان بن ابراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، وينتهي نسبه الى بكر بن وائل من بني أسد بن ربيعة.
وترتيبه الخامس عشر بين اخوته أبناء الملك عبدالعزيز عموماً، والثاني بين أشقائه بعد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، من أم تنتسب الى بيت من أعرق البيوتات العربية.
ويشغل منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام. ويمتاز هذا العبقري العظيم بكل فضيلة، فهو من أعظم الرجال حزماً وعزماً، وعلماً ودراية، ومعرفة وحكمة، وشجاعة وكرماً، وجوداً وعطاءً وندى، وفطنة وذكاءً وسؤدداً، خطيب؛ إذا نطق أصاب، وذو مقول لا يعاب.. كثر الله من أمثاله.
ميلاده ونشأته
ولد الأمير سلطان بمدينة الرياض في يوم الخميس 13 رجب 1346هـ الموافق 5 يناير 1928م، ونشأ في كنف والده الملك عبدالعزيز - رحمه الله - حيث ترعرع طفلا في أحضان هذا الفارس العظيم، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، ولقي عناية والده، كغيره من أفراد بيت الملك عبدالعزيز، فتربى تربية صالحة وتعلم القرآن الكريم والعلوم العربية على يد معلمين وعلماء كبار كانت مهمتهم العناية به. ثم واصل تعليمه، فكان لهذه العناية، والتنشئة الدينية أثر كبير في أخلاقه وتصرفاته، وبالتالي في حياته العامة وعلاقته بالناس.. ويتصف الأمير سلطان بالجد في العمل، وترك الدعة، مما مكنه من ادارة وتسيير أمور المناصب التي تقلدها.
هو سليل بيت ملك، ويكفي سموه فخراً ان سمعته بالخير قد ملأت الخافقين، فهو نادرة زمانه نبلا وكرما وسماحة ووفاء، وجه عربي أصيل يشع منه نور وضياء، يحبه القاصي والداني، ويشهدون بأنه «سلطان الخير» ووجه الخير ومعه الخير أينما حل. كذلك يكفي سموه فخراً انه ابن عبدالعزيز، أعظم القادة الذين أنجبتهم الأمة العربية في القرن العشرين، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، البطل الفارس الشجاع، الحاكم الحكيم. مرض الأمير سلطان يوماً فزاره والده الملك عبدالعزيز الذي قلَّما يخرج من قصره إلا نادراً، فقال له: يا بني أرجو ان يكون رضاك عني كرضائي عنك.
أما أمه في حصة بنت أحمد السديري، وهي سيدة مرموقة تكنى بـ«أم فهد»، اسم ابنها الأكبر، الملك فهد، وكانت أم فهد شخصية قوية يحترمها الجميع، وتمتزج مشاعر القوة لديها بمشاعر الحب والحنان. وقد توفيت عام 1389هـ الموافق 1969م.
تأثره بوالده الملك عبدالعزيز
تعلَّم الأمير سلطان في مدرسة والده الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وفي مدرسة الحياة عاملاً وفياً مع الملوك من بعده. وقد أخذ عن والده صفات كثيرة من أبرزها التواضع وحب الشعب والقرب منهم وتلمس حاجاتهم.. يقول الملك عبدالعزيز:«إنني أود أن يكون اتصالي بالشعب وثيقاً دائماً، لأن هذا أدعى لتنفيذ رغبات الشعب.. لذلك سيكون مجلسي مفتوحاً لحضور من يريد الحضور.. أنا أود الاجتماع بكم دائما، لأكون على اتصال تام بمطالب شعبنا وهذه غايتي من وراء هذا الاتصال». ويقول الأمير سلطان بن عبدالعزيز:«الذي أحب أؤكده هو أنني لا أرد طلباً تليفونياً أو كتابياً أو لقاء من أي كان رجلاً أو امرأة شباباً أو شيباً بواسطة أو بغير واسطة لأنني اعتبر نفسي خادماً لهذه الأمة تحت توجيه ورعاية وحنان وعاطفة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين».
ولا شك ان مجلس الملك عبدالعزيز الذي يضم نخبة من رجال العالم العربي وقادته وعلمائه من الفقهاء وأهل البصيرة والرأي، كان له تأثير كبير على شخصية أبناء عبدالعزيز الذين يحضرونه، ومن ضمنهم سلطان؛ ففي هذا المجلس تعلم أبجديات القيادة المخلصة والحكمة وطرق تسيير شؤون الحكومة، وخفايا الحياة السياسية وتعقيداتها، حتى أصبح واحداً من أمهر الساسة في الوقت الحاضر.
كذلك اكتسب الأمير سلطان تقليداً عربياً اسلامياً أحياه والده الملك عبدالعزيز عندما فتح الأبواب لمن يشاء من المواطنين أياً كانوا ليحضروا المجلس ويفضوا اليه بما لديهم من شكاوى أو مطالب أو نصائح. وهذا التقليد الذي غرسه الملك عبدالعزيز في كل أبنائه لا يوجد له مثيل في أية ديمقراطية حاضرة.
وقد توسم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في ابنه الأمير سلطان، النباهة والفطنة منذ الصغر، فأولاه ثقته، وعيّنه أميراً على عاصمة ملكه «الرياض» في 1 ربيع الآخر 1366هـ الموافق 22 فبراير 1947م، وساهم، مع والده، في اقامة نظام اداري متين، مبني على العدالة الاجتماعية، وتطبيق شريعة الاسلام.
وعند وفاة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كان العمل جارياً على تأسيس مجلس الوزراء وقد اختير الأمير سلطان في هذا المجلس وزيراً للزراعة.
خدمته مع الملك سعود
شكّلت علاقة الأمير سلطان بإخوانه الملوك علاقة هامة طوال تاريخه، فقد كان ملازما للملك سعود منذ صباه وقت ان كان أميراً على الرياض، وأقام سموه للأمير سعود العديد من حفلات الاستقبال في قصره بالعزيزية، وبعد ان ترك امارتها رافق الأمير سعود وهو ولي العهد الى الأردن والعراق في زيارتين رسميتين، ثم عندما أصبح وزيراً للزراعة كان اقترابه من الملك سعود أكثر ورافقه في جميع جولاته داخل المملكة. وبلغت هذه العلاقة مع الملك سعود عندما نقله الى وزارة المواصلات بعد النجاح الذي حققه في الزراعة. وبعد ان ترك وزارة المواصلات ظل سموه مرافقاً للملك سعود.
وفي عهد الملك سعود كان الأمير سلطان أحد الشباب المتدفق حيوية وفطنة وذكاء، في وقت كانت الدولة الفتية في حاجة للعقول الشابة المفكرة والعقليات المستنيرة لتأخذ زمام المبادرة في عملية التنمية ودفع عجلة النهضة الى الأمام؛ فجاء اختيار سموه لعدد من المناصب والوزارات الهامة في مسيرة بناء الوطن. فقد عُين الأمير سلطان عضواً بمجلس الوزراء في المملكة، بعد ان تم تعيينه وزيراً للزراعة في يوم الخميس 18 ربيع الثاني 1373هـ الموافق 24 ديسمبر 1953م، عند تشكيل أول مجلس للوزراء بالمملكة. وكان أحد أهم المشروعات التي عنى بها سموه، مشروع توطين البادية، الذي يحظى باهتمام الدولة في سياق خطواتها التطويرية والتنموية؛ فقد ساهم سموه في توطين البادية ومساعدتهم في اقامة مزارع حديثة. وقد كان نهج سموه واضحاً في هذه الوزارة حيث سار من بعده على نهجه، فقد كانت خطة عمل سموه تقوم على العمل على تقدم وزارة الزراعة بصورها المختلفة في أنحاء المملكة، ومكافحة الآفات، وتوفير المياه، واقامة السدود، وحفر الآبار، وتدريب الشباب السعودي، وتقديم التوجيه والارشاد للمزارعين، وتنمية الرقعة الزراعية، وادخال التقنية والميكنة الزراعية.
وقد ترجم سموه ذلك الى واقع رغم قصر المدة التي كانت فيها وزارة الزراعة تحت مسؤوليته. فقد ارتفع عدد موظفي الوزارة الى أربعة أضعاف ما كان عليه، وأعاد سموه هيكلتها، وبدأت فكرة المحميات، ووضع خطة لانشاء محطة أبحاث زراعية بالمدينة المنورة، واهتم سموه بالمياه ومصادرها، كما دعم سموه المزارعين بالمساعدات بالآليات والمكائن وقطع الغيار والأراضي.
ثم عُين الأمير سلطان وزيراً للمواصلات في يوم السبت 20 ربيع الأول 1375هـ الموافق 5 نوفمبر 1955م، وقد ساهم سموه في ادخال شبكات المواصلات الحديثة البرية والسلكية واللاسلكية، حيث أنشئت سكة الحديد بين الدمام والرياض، وأقيمت مشروعات هاتفية وبريدية عملاقة وطرق ومطارات وموانىء. فخلال عامين من تولي سموه الوزارة حققت وزارة المواصلات بقيادة وزيرها سلطان العديد من الانجازات الهامة ومنها:
مشروع الهاتف اللاسلكي المنشأ في الرياض والظهران والدمام والمدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة، وهذا أول ربط هاتفي للبلاد بالعالم الخارجي.. وانشاء مشروع الهاتف الآلي الأوتوماتيكي وأدخل هذا اللون من الاتصالات لأول مرة على البلاد في المنطقة الشرقية وجدة. كما تم اصلاح وسفلتة الكثير من الطرق والشوارع في مناطق المملكة، وتم توسعة مطار جدة.
ثم كانت النقلة الكبرى لوزارة الدفاع والطيران عندما صدر الأمر السامي الكريم رقم «21» وتاريخ 3 جمادى الآخرة 1382هـ الموافق 31 أكتوبر 1962م بتعيين الأمير سلطان وزيراً للدفاع والطيران، ولا يزال سموه - حفظه الله وأطال الله في عمره على طاعته - يشغل هذا المنصب بالاضافة الى مسؤولياته الأخرى. ومنذ ذلك التاريخ شهدت القوات المسلحة وثبات تطورية كبيرة، باعادة تنظيمها، وتحديث سلاحها، وانشاء الكليات والمعاهد العسكرية، واضافة سلاح رابع الى القوات المسلحة الرئيسية الثلاث «البرية والجوية والبحرية» وهو سلاح الدفاع الجوي الملكي السعودي. وقد أشرف سموه بشكل مباشر على تنفيذ خطط وبرامج محددة الأهداف، لتطوير القوات المسلحة، مما آتى أطيب الثمرات، ووضع القوات السعودية في مستوى العصر: تنظيماً، وتدريباً، وتسليحاً.
وقد رعى سموه المشروعات العسكرية الكبرى، كالمدن العسكرية، والمستشفيات، والقواعد البرية والجوية والبحرية وغيرها مما يعتبر - اليوم - من مفاخر القوات المسلحة، وعلامات مضيئة في المسيرة التنموية.
وقد جاء تعيين الأمير سلطان في هذا المنصب، في ظروف عصيبة تشهدها المملكة، إذ كانت الحرب الأهلية في اليمن على أشدها، والتي اندلعت إثر انقلاب عسكري شهدته صنعاء في 27 ربيع الثاني 1382هـ الموافق 26 سبتمبر 1962م وأطيح فيه بالإمام «البدر»، وقد استنجد النظام الجمهوري الجديد بمصر، فلم يلبث الرئيس جمال عبدالناصر أن أرسل جيشه لحمايته، وقد أحدث ذلك صدمة للمملكة، وشكل تهديداً لأمنها. وكانت هذه الأحداث شغل الأمير سلطان كله، بصفته وزير الدفاع الجديد.
يقول الأمير خالد بن سلطان في كتابه مقاتل من الصحراء:(وقد أكد الأمير سلطان لولي العهد، الأمير فيصل بن عبدالعزيز رئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت والملك فيما بعد، طبقاً لقصة تتداولها العائلة في هذا الخصوص، أنه سيتوجه من فوره الى غرفه العمليات في الوزارة ويستدعي ضباط الأركان العامة ليراجع معهم الخطط الدفاعية عن المملكة. ابتسم الأمير فيصل ولم يعلق. انطلق الأمير سلطان الى مكتبه في وزارة الدفاع وطلب التوجه الى غرفة العمليات. وجاء الرد من أركانه وقد غلبتهم الدهشة:«أية غرفة عمليات؟!» فأمر باستدعاء ضباط الأركان العامة، وجاء الرد ايضا: (أية أركان عامة؟!) فأمر ان تعرض عليه الخطط، وجاء الرد (أية خطط؟!). أمر بأن تشتبك القوات الجوية مع القوات المصرية المهاجمة، لكن لم تكن هناك طائرة واحدة تصلح للإقلاع. عاد إلى الأمير فيصل وقال له: (لا شيء هناك، لا شيء على الاطلاق: لا خرائط ولا خطط ولا دبابات ولا ضباط). فرد عليه الأمير فيصل: (هذا هو السبب في أنني أوكلت إليك هذه المهمة ولتبدأ العمل من الآن).
مرافقته للملك فيصل
استفاد الأمير سلطان كثيرا من خبرات الملك فيصل ـ رحمه الله ـ لأنه كان على الدوام ملازما له، في جميع رحلاته الخاصة والدولية، حيث حضر العديد من المؤتمرات والاجتماعات. وقد اكتسب منه السياسة، والحنكة، والدقة في المواعيد، وغيرها من الصفات الحميدة، إذ انه كما ذكرنا كان ساعده الأيمن لعدة سنوات.
يروي الأمير سلطان، خلال كلمة سموه في حفل افتتاح فعاليات الاحتفال بمرور عشرين عاما على إنشاء مؤسسة الملك فيصل الخيرية، قصتين عن الملك فيصل، رحمه الله، عايشهما بنفسه، تتجلى فيهما عظمة هذا الرجل، أعني فيصلاً، وحكمته وحنكته، التي أرضت الناس، داخليا وخارجيا، حتى شهد له أعداؤه، والفضل ما شهدت به الأعداء.
يقول الامير سلطان:
(أقول شيئين سمعتهما عن فيصل من رجلين: رجل ذا شهرة عالمية، وفحل من فحول الرجال وهو: (الرئيس نهرو)؛ كنت في اكتوبر سنة ستين ميلادي في زيارة رسمية إلى الهند، بدعوة منه، وكنت آنذاك وزيرا للمواصلات، وأحد خدّام الدولة في ذلك الوقت، وسأظل، بحول الله، خادما للدولة وللمواطن، فأول ما افتتح حديثه معي، ولم يحضرنا إلا سفيرنا ذاك الوقت (يوسف الفوزان) وكان يتكلم الأوردية بطلاقة، فقال: يا سلطان قبل أبدأ حديثي معك، هناك شيئان عندكم في المملكة العربية السعودية، إن تمسكتم بهما، واحتضنتموهما، بإيمان وعقيدة لا تخافون لومة لائم أبداً ولا تخافون احدا إنسان، ما هي يا فخامة الرئيس؟ قال: الكعبة المشرفة، يقصد بذلك الدين الإسلامي، وما تحتويه هذه الكعبة وما يطوف حولها وما يصلى إليها خمس مرات يوميا في العالم الاسلامي كله.
فسكت برهة، ومعروف عنه انه في آخر حياته كان قليل الكلام، مع المرض الذي ينتابه دائما، فظننت أنه سيقول البترول، عصب الحياة فقال لي (فيصل) قال يا أيها الأخ: لقد عرفت فيصل في كل ميدان، عرفت الرجل رجل كلمة، رجل إنصاف، رجل إخلاص، فما دمتم محتضنين الكعبة المشرفة بكل وسائلها وأهدافها، ومحتضنين وملتفين حول فيصل؛ فلا تخافون من أي إنسان كان.
هذه لم تخرج من لساني لأحد إلا لهذا الرجل (وأشار سموه الى الأمير خالد الفيصل الذي كان يجلس على يمينه أثناء إلقاء الكلمة) وائتمنته عليها وإلى الآن لم يخرجها الى الآن.
الكلمة الثانية: ذكّرني بها أخي وزميلي الأمير تركي (ويعني الأمير تركي الفيصل، وكان قد ألقى كلمة في هذا الحفل أشار فيها الى اعتزاز الملك فيصل ببداوته وانه كان يرد دائما: (أنا بدوي) عندما قال عن الملك فيصل أنه بدوي. كنت قبل وفاته بثلاثة أسابيع في الصحراء، ربما أخي وزميلي الأمير متعب (وأشار إلى سمو الأمير متعب بن عبدالعزيز الذي كان حاضرا الحفل) يعرف هذا المكان وهو في (الصمان)، فقابلني رجل من قبيلة (آل مرّة) كفيف البصر على سيارته، وكان يقتاد ناقة جميلة جدا فعرضت عليه السيارة، ووقفت معه، وسلّمت عليه، وهو لا يعرفني ولا أعرفه. سألته: ممكن تتغدّى معنا؟ قال: حاضر. رجعت لمكان مغدّانا، وحوّل وتغدّى معنا، وكان نيّتي في ذلك لشراء هذه الناقة فقط. أحد الجماعة اللي مرافقين معي عرفوه، وقالوا لي: هذا الرجل يملك (400) ناقة من أجمل النياق في المملكة، فاستغربت؟ رجل كفيف البصر، وكيف يملك هذا الحلال الكبير؟ ووين يودّيه؟ ووين يرعاه؟ سألته: يا أخ فلان: كيف ترعى هذه الإبل؟ كيف تستفيد منها؟ وأنت يقولون الجماعة اللي معي أنه ليس لك ولد ولا أخ قريب منك!! قال: يا فلان، أنا لي ابنة متزوجها رجل صالح من أبناء عمومتي. فإذا سقط المطر، وبدأ الربيع، أتاني في مكاني في (الرملة) في الربع الخالي، وأخذني بسيارتي وإبلي، وربّعنا أربعة اشهر، وعندما ينتهي الربيع، يذهب هو إلى عمله في شركة (أرامكو) وزوجته معه، وأنا أسلمها لـ ( فيصل) يقودها (فيصل) ويرعاها!؟! هذه الكلمة بأمانة، وما قبلها بأمانة، أثّرت عليّ في نفسي تجاه فيصل، فقدِمت الرياض، وكنّا نصلّي المغرب في مكان يعرفه الأمير متعب شخصياً، لأنه من الذين يرافقون فيصل ليل نهار، في مكان قريب من وراء (المعذر) وسلّمت عليه بعد العودة من الصحراء، وأحببت إني أرويها له بعد صلاة المغرب، فلما رويتها له؛ نزلت الدموع من عينيه، والتفت على الجميع، بما فيهم الملك خالد رحمه الله، والاخوان فيصل بن سعد، وفهد بن سعد، وقال: أشكروا الله سبحانه وتعالى على ما أنعم به على هذه البلاد من أمن وسلام، واحفظوا الله يحفظكم، وتوفي بعدها باسبوعين.
هذه كلمات، في الحقيقة، حبيّت إني اسجّلها لفيصل، لأنها قيلت عنه، ولم يقلها هو عن نفسه. فهذا دليل ثقة المواطن فيه، وثقة العالم فيه، ولذلك أرجو ان لا أبيح لنفسي بأي تفاصيل أخرى إنما أرجو من الله سبحانه وتعالى يغفر له ويرحمه ويحلله ويبيحه، ويساعد الجميع على ما خطاه موحد الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز، وبعده الملك سعود، وفيصل، وخالد، وخادم الحرمين، وولي عهده الأمين، أن نكون دائما أمناء على هذه الرسالة، رسالة السماء، وخدمة ديننا الحنيف، وخدمة هذا المواطن الشريف، والله يرعاكم والسلام عليكم».
ملازمته للملك خالد
رافق الأمير سلطان الملك خالد ـ رحمه الله ـ في جميع رحلاته الخارجية، وكان على الدوام ملازما له في جميع رحلاته الرسمية والعلاجية وغيرها، وفي حضور المؤتمرات العربية والاسلامية والدولية خلال حكمه، وكان يحظى بمحبته وثقته، فقد كان الخادم الذي معه في كل موضع، أولاه الملك خالد محبته وثقته وكلفه بمهام جسيمة في ذلك الوقت، كان الأمير سلطان البارع فيها.
مسؤولياته في عهد خادم الحرمين الملك فهد
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد استطاع الأمير سلطان ان يتوج خبرته الطويلة في أن يكون عونا للملك وهو في منصبه كنائب ثان لرئيس مجلس الوزراء مساعدا لولي العهد في مهامه، وقد استفاد سموه من خبرة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد كثيراً، وكان ـ ولا يزال ـ عضده الى جانب أخيهما صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني.
وبالرغم من كون الأمير سلطان يضطلع بمهام جسام ومسؤوليات كبرى ومن أهمها وزارة الدفاع والطيران المناط بها حماية أراضي وأجواء ومياه وسواحل المملكة الشاسعة المترامية الأطراف، وللثقة الكبيرة التي يحظى بها الأمير سلطان وإضافة الى مسؤولياته المذكورة فإن سموه يضطلع بمسؤوليات أخرى في رئاسة، أو نيابة رئاسة، عدد من اللجان والمجالس والهيئات التي تشرف على قطاعات معينة من الدولة، يفوق عددها (15) لجنة ومجلسا وهيئة وغيرها. وفي يوم الأحد 21 شعبان 1402هـ الموافق 13 يونيو 1982م صدر الأمر الملكي السامي الكريم بتعيين الأمير سلطان نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، إضافة الى مسؤولياته وزيراً للدفاع والطيران ومفتشا عاما.
ورغم تشعب مسؤولياته وارتباطاته، لكونه ثالث رجل في الدولة، إلا أنه لم يحس منسوبو القوات المسلحة بأي تغيير في حجم اهتمام سموه بالقوات المسلحة ومنسوبيها، فلقد كان يفضل أن يعطي مسؤولياته الأخرى الاهتمام الذي تستحقه من وقته وطاقته، وعلى حساب راحته الشخصية، بدلا من أن يكون ذلك على حساب رعايته للقوات المسلحة.
تفانيه في خدمة الوطن
يقول الأمير خالد بن سلطان: (.. كان والدي.. ولا يزال.. دائم الانشغال بمهامه الحكومية وزيرا للدفاع، إذ يحتفظ بهذا المنصب حتى الآن، دون انقطاع.. فصورته التي انطبعت في ذاكرتي، وأنا طفل، هي استغراقه الدائم في العمل، منهمكا في الأوراق او متحدثا عبر الهاتف».
وقد ضرب الأمير سلطان أروع الأمثلة في التضحية والتفاني في حب الوطن، وقدم درسا عظيما في الإحساس بالمسؤولية عندما اجتاحت قوات النظام العراقي دولة الكويت، وكان سموه يقضي فترة نقاهة من عملية جراحية معقدة، ومع ذلك عاد سموه الى ارض الوطن، ولم يستكمل برنامجه العلاجي أو يأخذ فترة نقاهته، على الرغم من معارضة أطبائه لذلك، ولم يستطع أحد أن يثنيه عن العودة إلى أرض الوطن، والوقوف إلى جانب رجاله وأبنائه في لحظة من أحرج اللحظات التي عرفها تاريخ المملكة وتاريخ القوات المسلحة السعودية، حيث أخذ سموه ينتقل بين المدن والقواعد العسكرية والمعسكرات والخطوط الامامية على الرغم من العملية الجراحية التي كان لا يزال يعاني من آثارها. لقد كان سموه يزور القواعد متكئا على عصاه باسما رابط الجأش واثقا من نصر الله ثم من شجاعة وإخلاص ابنائه الجنود والضباط ضاربا بذلك المثل الأعلى في تجشم الصعاب وإنكار الذات.
يقول الأمير خالد بن سلطان عن ظروف عودة الأمير سلطان الى المملكة أثناء الأزمة: (اتصلت في اليوم الخامس من أغسطس، بالأمير سلطان في المملكة المغربية اطلب توجيهاته، فلا ريب وأنه قد شغل منصب وزير الدفاع لأكثر من ثلاثة عقود، أضحى نبض القوات المسلحة الموجه لحركة إيقاعها بفكره وقلبه.
فهو على علم تام بكفاءة كل قائد وضابط، وبمدى استعداداتنا وقدراتنا. كان الرجل الوحيد الذي في مقدوره أن يجد حلولا للمشاكل التي كنا نواجهها. فالأمير سلطان وإن لم يكن عسكريا إلا ان خبرته العسكرية تفوق خبرة كل قائد في صفوف قواتنا المسلحة.
كان الأمير سلطان لسوء الحظ، يتحرك في تلك الفترة بصعوبة وألم شديدين عقب الجراحة التي اجريت له في الركبة، حتى إن الملك طلب منه رفقا به ورحمة، أن يبقى في المغرب الى حين اكتمال شفائه، ولكن الأمير سلطان ما كان ليبقى بعيدا عن وطنه في تلك الظروف المصيرية، وشعرت بالارتياح عندما علمت بقرار عودته إلى البلاد فوراً).
وأضاف الأمير خالد في موضع آخر في كتابه (مقاتل من الصحراء): «وآلمني كثيرا أن التحليلات التي قرأتها عن الحرب لم توفّه حقه وزيرا للدفاع (يعني الأمير سلطان).. كان حقا الجندي المجهول وراء النصر في حرب الخليج.. كانت بصماته وأفكاره تشكل نبض المعركة وحركتها، فكان حقا القائد الموجه، مفتاح النصر وسر النجاح».
***
المراجع
ـ ابراهيم المالك: سلطان.. سبعة وثلاثون عاما من العطاء (الرياض.. مطابع العبيكان، الطبعة الأولى 1419هـ).ـ أحمد غسان سبانو: آل سعود.. العائلة المالكة (لندن: دار فادي برس) بدون ذكر سنة الطبع.
ـ خالد بن سلطان: مقاتل من الصحراء (بيروت: دار الساقي، الطبعة الثانية، 1995م).
ـ سعود بن هذلول: تاريخ ملوك آل سعود (الرياض: مطابع المدينة، الطبعة الثانية، 1402هـ).
ـ فؤاد مصطفى السابق: من مفاخر البيت السعودي، الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود (1372هـ ـ 1953م).
ـ محيي الدين القابسي: المصحف والسيف (دار الصحراء السعودية للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 1418هـ ـ 1997م).
ـ الموسوعة العربية العالمية: (مؤسسة اعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1416هـ) ج 13.
ـ جريدة الرياض: العدد (10373).
ـ فيلم تسجيلي لحفل مؤسسة الملك فيصل الخيرية، بمناسبة مرور (20) عاما على إنشائها، الرياض 24/12/1416هـ الموافق 11/5/1996م.
|