تمضي الأيام، وتمضي السنون، ويمضي معها أبناء الملك الفذ، الفيصل بن عبدالعزيز طيب الله ثراه دون كلل أو ملل، وإنما بعزم يسوده الإخلاص، ووفاء ينطلق من قيم أصّلها فيهم الراحل العظيم، وعطاء لا يُبتغى منه إلا وجه ذي الجلال والاكرام.
ربع قرن من الزمان يشهد الإنجاز تلو الإنجاز، خمسة وعشرون عاماً تحمل في طياتها خمسة وعشرين عرساً لجائزة عظيمة تحمل اسم رجل عظيم ويسهر على رعايتها رجال عظماء لتحقيق هدف عظيم، إنها جائزة الملك فيصل العالمية.
إلى رحمة الله يا فيصل.. تميزْت في قيادتك لهذه الدولة العتيدة، وهبت نفسك لأمتك الإسلامية المجيدة، سخرت كل طاقاتك لخدمة قضاياك العادلة وعلى رأسها الأقصى الشريف وفلسطين الحبيبة، ودماؤها الزكية شاهدة على ذلك وشهيدة.
إلى جنة الخلد يا فيصل.. بالأمس كان هنالك عرس بهيج لجائزتك العظيمة، عرس توّجهُ اسمك العظيم «الفيصل»، هذا الاسم الأصيل لا يليق إلا بك، كلما نُطق ارتسم في الأذهان رسمك، وأذهل النفوس عملك، وأنعش الفؤاد إنجازك، عرس تزين بأربع شمعات أضاءت الدنيا وقلوب من عليها من محبي الخير والسلام، شمعة لخدمة الإسلام، وشمعة للدراسات الإسلامية، وشمعة للطب، وشمعة للعلوم، شموع الإنسانية كلها بالأمس اجتمعت لترتسم بضوئها أسمى معاني المجد المستمد منك يا فيصل.
فهنيئاً لكل الذين نالوا الجائزة منذ بداية نشأتها عام 1399ه وحتى يومنا هذا، وأخص هنا أحد هؤلاء العلماء فأهنئه لنيله هذه الجائزة العظيمة، وأهنئه على كلمته العتيدة التي ألقاها في عرس الفيصل المجيد، إنه فضيلة العالم الجيل الأستاذ الدكتور عزالدين عمر موسى، الذي فاز «بالاشتراك» بجائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية للعام 1423ه 2003م.
تلك الكلمة الشاملة الوافية الشافية، ولا غرابة في ذلك، فهو عالم يميزه التواضع، يقول لا فض فوه «إن هذا اليوم في تاريخ حياتي خالد، امتزجت فيه مشاعري امتزاجاً غريباً، فإنني سعيد وحزين ولصنّاعه شاكر ومنه خائف».
قلت في نفسي: ان يكون سعيداً وشاكراً فنعم، والجميع يعلم مصدر ذلك، أما ان يكون حزينا وخائفاً فكيف يكون ذلك؟
إلا انه لم يمهلني ومن تساءلوا معي كثيراً من الوقت للبحث عن الاجابة، إذ سرعان ما وضع الجواب الشافي الواقي حين قال لله دره بشأن حزنه «وحزين لأنني وددت ان يشهد هذا اليوم ثلاثة لهم عليَّ، بعد الله فضل لا كفاء له إلا الدعاء الدائم لهم بالمغفرة، والدة لم تكن تفك الخط، سعت لتعليم ابنها القرآن داعية له ان يصبح من أهله، ووالد نجار فقير، أطلق علَّي اسماً أرادني لابن الأثير سمياً وبالعز بن عبدالسلام مقتدياً، أما الثالث فهو علامة الجزيرة شيخنا الراحل حمد الجاسر، فكم كان يتمنى لي هذا اليوم، فلهم أجمعين دعاء برحمة ورضوان، وان يسكنهم الله أعلى الجنان».
وأما عن خوفه فقال: «ومع كل هذا الاحتفاء والتكريم إنني خائف.. خائف من تبعات ما حُملت بحسن ظن الناس فيّ، فلا استطيع التقاعس عن الإنتاج، ولا أستطيع أن أنتج إلا ما هو أرقى وأسمى مما سلف، وهذه تبعة أنى لي بتحملها إلا بدعائكم، إذ بقي من العمر قليل والجسم كليل، وعائذ بالله من الشيطان وشركه، فما لقيته من حفاوة من كل ألوان الطيف أخافني وأفزعني، وخشيت أن أظن انني بشيء، ولست بشيء لأنني أعلم بعيوب نفسي، فأسأل الله ان يعينني عليها».
وإنني مع هذا الشعور الجميل الذي يملأ كياني أجدني أقف خلف هذا العالم الجليل لأسجل الشكر لهؤلاء الكرام البررة أبناء الفيصل العظيم، وأردد قول فضيلته: «أما الشكر لصنّاع هذا الكسب فأمره عسير لأنهم لا يحصيهم عد، ولكل منهم فضل لا يحد».
ولله الشكر من قبل ومن بعد.
|