نحن أصحاب مبادئ تقوم على عقيدة سليمة - والحمد لله - وعلى شريعة واضحة وعلى رسالة إسلامية خالدة صحيحة، فنحن بحمد الله تعالى وفق مبادئنا وتطبيقاً لشرعنا الحكيم وللدين الكامل الذي جاء به خاتم الأنبياء وسيد المرسلين عليه وعليهم أفضل الصلاة والتسليم.
هكذا علمنا ديننا الحنيف، فالله هو المعبود وحده لا شريك له، ولا يجوز لنا أن نقدس أحداً من البشر تقديساً يجعل قلوبنا معلقة به، فها هو ذا رسولنا صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نتخذ قبره مسجداً، وأن نُطريه كما أطرت النصارى عيسى بن مريم حتى جعلوه وأمَّه إلهين من دون الله، ووجهنا عليه الصلاة إلى أن يكون تعلقنا بالله وحده دون سواه، حيث قال: «إنما أنا عبدالله ورسوله، فقولوا: عبدالله ورسوله».
وهذا التنبيه القرآني الواضح يجب أن يظل ماثلاً في أذهاننا جميعاً، ولذلك لما ذهل عنه بعض الصحابة من هول صدمتهم بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، نبههم إليه أبو بكر الصديق حينما قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت» ثم تلا هذه الآية الكريمة.
هذا مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد المرسلين وخاتمهم، وهو أفضل الخلق أجمعين وصاحب الشفاعة العظمى عند رب العالمين.
وهذا التوجه الإسلامي المهم يدلنا على عظمة شريعتنا وتمامها وكمالها، وثبوت صحتها دون غيرها من الشرائع التي حرفها المحرفون، أو القوانين التي وضعها الواضعون، ولقد أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المعنى بتمامه وكماله حينما عزل خالد بن الوليد عن قيادة جيوش المسلمين الظافرة في الشام والعراق، وقد صرَّح عمر رضي الله عنه وعن خالد بقوله: والله ما عزلت أبا سليمان عن ريبة ولكنني رأيت الناس قد فُتنوا به، فأردت أن يعلموا أننا إنما ننصر بدين الله لا بخالد.
لا مجال عندنا لتقديس الأشخاص والتعلق بهم تعلقاً ينافي مبدأ الاعتماد على الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه.
نعم نعرف للأشخاص المخصلين البارزين قدرهم، ونحبهم ونطيع أوامرهم في غير معصية الله، ولكننا لا نقدِّسهم.
لأن مبدأ التقديس للشخص مخالف مخالفة واضحة لعقيدة الإسلام الصافية الخالصة، ونحن نقدر الأشخاص الذين يؤمنون بالله تعالى، ويرفعون شعار الدين الصحيح، ويناصرون أهل الحق والخير، وينشرون مبادئ ديننا السامية، ونعرف لهم قيمتهم ومكانتهم، ولكننا لا نعلق أنفسنا بهم دون ربنا، لأنهم عرضة للضعف والوهن، والموت، والتغير، والخطأ والصواب.
إن ديننا واضح فنحن نحب الأشخاص من خلاله، وندعو للمخلص منهم، وندعم من يحقق مبادئ الإسلام ويناصر شرائعه بما نستطيع مادياً ومعنوياً، ولكننا نأبى أن نجعل أحداً من الناس مقياساً لشريعتنا وعقيدتنا.
عندما مات الرسول صلى الله عليه وسلم، كان الحزن لفراقه أكبر مما تحتمله القلوب، ولكن الصحابة رضي الله عنهم أكملوا المسيرة لأنها مرتبطة بالله، ومتعلقة بقرآنه الكريم وسنة نبيه عليه الصلاة والتسليم، وفي ذلك دليل قاطع على وجوب توجيه تعلقنا خالصاً إلى ربنا المحيط بكل شيء.
الأشخاص الكبار الذين أحيوا الأمة في فترات متعددة، إنما أحيوها بعقيدتها ومبادئها وقرآنها وسنّة نبيها، ولم يحيوها بتقديس أشخاصهم.
إن التعلق المبالغ فيه بالأشخاص يقود إلى الهزائم، ويصيب الأمة بالإحباط، ويحدث هزات عنيفة في اليقين، لأنه تعلق غير صحيح، وانحراف بمعنى التوجه الكامل إلى الله العلي القدير، فما أجدر المسلمين بالانتباه إلى هذه المعاني.
إشارة:
ليس من يجعل الشريعة نهجاً
كالذي يجعل القوانين دينا
|
|