تزايد الاهتمام مؤخراً من قبل الدول والهيئات الدولية بعلاج مشكلة الفقر والقضاء على اسبابه، واصبح وضع ا ستراتيجية وطنية لتحقيق هذا الهدف مطلباً ملحاً للمجتمعات المدنية، واصبحت المؤسسات المعنية بتنفيذ آليات هذه الاستراتيجية، وبدعم الجهود الحكومية في هذا الاطار، وبمراقبة الفقر جزءاً من مؤسسات المجتمع المدني.
وعادة ماتهدف الاستراتيجيات الخاصة بعلاج مشكلة الفقر الى تحديد مفهومه وابعاده ومن تنطبق عليهم هذه الصفة، ومن ثم التعرف على اسباب هذه المشكلة وطرق العلاج واساليبه، ويهدف العلاج الى احداث مجموعة من التغييرات في الخصائص والسمات المميزة للاسر والافراد الذين يمكن وصفهم بالفقر والعمل على تغيير السلوكيات وانماط الحياة المسببة للفقر او الداعمة له، هذا الى جانب توفير مجموعة من برامج الرعاية الاجتماعية والاعانات والمساعدات للفئات التي تعاني من هذه المشكلة.
وبناء على هذا، فإنه يمكن القول بأن علاج مشكلة الفقر لايقتصر على مجرد الاعانات والمساعدات بل انه يشمل علاج اسبابه ودواعيه وضمان تكافؤ الفرص امام الجميع وعدالة توزيع الدخول.
وفي هذا الاطار تشير الدراسات الى اشتراك الاسر الفقيرة في مجموعة من الخصائص والسمات منها تدني مستوى التعليم والعمل بشكل رئيسي في القطاع الزراعي وتفشي البطالة وتدني المستوى الصحي والسكن في مناطق تفتقر الى وجود موارد طبيعية او انشطة اقتصادية توفر فرص عمل مناسبة.
ولذا فان المفترض ان يبدأ علاج المشكلة بعلاج الاسباب المؤدية لها، فإذا كان تدني مستوى التعليم احد الاسباب فالحل هو العمل على توفير فرص التعليم المناسبة، وان كان من الاسباب العمل في القطاع الزراعي، فيكمن الحل في زيادة مساحات ملكيات الاراضي الزراعية للافراد الذين يعانون من صغر مساحات ملكياتهم وعدم مناسبتها لعدد افراد الاسرة، او عن طريق مساعدة الافراد في تعريفهم وتمكينهم من استخدام اساليب زراعية اكثر كفاءة وانتاجية.
ماينبغي التركيز عليه هو ان الاعانات والمساعدات ليست الحل الوحيد لمشكلة الفقر بل هي في واقع الامر اخر اساليب العلاج، وفي جميع الاحوال هي احدى وسائل العلاج، ولقد كانت نظرة المشرع في الاسلام واضحة في هذا الجانب، فقد ارشد الرسول صلى الله عليه وسلم من جاء يطلبه مالاً الى العمل عندما رآه قادراً على ذلك، وفعل عمر رضي الله عنه نفس الشيء مع من اختار ان يكون عاطلاً عن العمل.
وبين الفقهاء المسلمون جواز اخراج الزكاة في صورة سلع رأسمالية لمن يحتاج الى آلة العمل ليكون قادراً على العمل، كما بحث بعض الفقهاء المعاصرين مسألة الانفاق على تعليم وتأهيل الاشخاص الذين يحتاجون اليهما للالتحاق بسوق العمل وهم من اهل الزكاة.
كما وضع الاسلام العديد من التشريعات والانظمة التي تضمن عدالة التوزيع وعدم تركز الثروة في ايدي فئة قليلة من افراد المجتمع وتكافؤ الفرص امام الجميع.
( * ) قسم الاقتصاد والعلوم الادارية بجامعة الامام محمد بن سعود
|