* خدمة كريستيان ساينس مونيتور- خاص ب «الجزيرة» :
تجاوز الرئيس الأمريكي جورج بوش الهدف الأساسي والبسيط لضرب العراق وهو تجريدالعراق من أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها، فقد بدأ بوش في تحديد طبيعة الأوضاع فيما بعد الحرب المحتملة، فقال«النظام الجديد في العراق سيكون نموذجاً ملهماً لباقي الدول في منطقة الشرق الأوسط».
والواقع أنه ربما يكون كذلك إذا ما تمكن بوش من إقامة مثل هذا النظام بالفعل، ولكن الحقيقة أن بوش كان قد وضع هدف إقامة نظام حكم نموذجي في العراق في ذيل قائمة أسباب حرب العراق التي أعلنها مع بدء الاستعدادات لهذه الحرب العام الماضي، وقد كان الأمر في حاجة إلى مزيد من التوضيح للرؤية الأمريكية للأوضاع في العراق بعد الحرب حتى يتمكن الشعب الأمريكي من تقديم مساندته لهذه المغامرة التي تندفع إليها إدارة الرئيس بوش، فهذه الإدارة تواجه تحديا خطيرا بعدالحرب يتمثل في تحويل الحكم العراقي من نظام ديكتاتوري إلى نظام ديموقراطي مستقر.
وقد كانت هذه المشكلة أكثر وضوحا بعد حرب تحرير الكويت عام 1991 عندما كان وزير الدفاع الأمريكي ديك تشيني الذي يشغل حاليا منصب نائب الرئيس الأمريكي
كان قلقا جدا بشأن الخطوة الأمريكية التالية بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، فقد كان الرجل يتساءل في ذلك الوقت عن مدى المصداقية التي يمكن أن تتمتع بها أي حكومة عراقية إذا ما قامت الولايات المتحدة بتنصيبها بعد الإطاحة بحكومة صدام حسين؟ وما هي المدة التي ستحتاج القوات الأمريكية إلى بقائها في العراق لحماية الحكومة الجديدة؟
وحتى الآن فمازالت إدارة بوش - تشيني تتعامل بسرية كبيرة مع قضية نوع الحكومة الانتقالية التي ستحكم العراق الذي ستحتله القوات الأمريكية والتكاليف طويلة المدى سواء المادية أو البشرية لاستمرار القوات الأمريكية في العراق، وعلى الأقل فهناك مسؤولة كبيرة في الإدارة الأمريكية وهي كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي قد أعلنت أن الإدارة سوف تتولى إعادة بناء العراق بعدالحرب، ومع ذلك فإن المسؤولين الأمريكيين يبدون مترددين بصورة كبيرة في الكشف عن تفاصيل خططهم لإدارة دولة معقدة بمثل الحالة العراقية، فالعراق متعدد العرقيات والطوائف وله تاريخ طويل من النزاعات كما كان الحال مع دولة يوغوسلافيا، فقد تم تكوين العراق على يد القوات البريطانية عقب الحرب العالمية الأولى من خلال تجميع عدة أقاليم ذات عرقيات وطوائف مختلفة تحت سيطرة الأقلية السنية المسلمة لتكوين دولة العراق، وعندما جاء نظام حكم صدام حسين الذي يستند على الأقلية السنية خاض صراعا مريرا مع الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال.
يقول الرئيس بوش ان الشعب العراقي هو الذي سيحدد نوع الحكم القادم في العراق، ولكن الأمر سيحتاج إلى بعض الحوافز إن لم تكن ضغوط من أمريكا كما حدث في البوسنة وافغانستان من قبل حتى تتم عملية تشكيل هذه الحكومة، وفي البداية يجب العثور على العراقيين الذين يقبلون تولي القيادة تحت سيطرة الحاكم العسكري الأمريكي الذي يبدو أن إدارة الرئيس بوش قررت تنصيبه.
ونظرا لانقسام المعارضة العراقية في الخارج، فليس من الواضح وجود شخص عراقي يمكن أن يلعب الدور الذي لعبه حميد قرضاي في أفغانستان، ولذلك فسوف يجب على العراقيين تقرير تتظيم دولتهم لمنعها من الانقسام، ويجب على كل طائفة عرقية أو دينية في العراق أن تقتنع بأنها سوف تستفيد وسيكون لها نصيب من العراق الموحد، وقد روج البعض لفكرة تقسيم العراق إلى كانتونات صغيرة على النمط السويسري كنموذج يمكن تطبيقه بعد الحرب، ولكن السويسريين استطاعوا تطوير نظام فيدرالي قادر على البقاء والعمل لمصلحة السويسريين جميعا، ولكن الخوف أن يتحول العراق إلى لبنان أخرى تقسمه الحروب الأهلية باستمرار وتحكمه حكومة عسكرية، وحتى تجربة البوسنة وأفغانستان تؤكد ان صعوبة مثل هذه المهمة، فمازالت المجموعات العرقية المتنافسة في البلدين تواصل محاولات تقليص سلطة الحكومة المركزية.
ففي أفغانستان يمثل الفشل في نشر قوات حفظ السلام الدولية خارج العاصمة كابول خطأ كبيراً، وسواء كانت أمريكا قد استوعبت الدرس أم لا فإن هناك انقساماً واضحاً بين رئيس أركان الجيش الأمريكي ونائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز حول حجم القوات التي ستحتاج إليها امريكا في العراق على المدى القصير حتى يمكن إقامة حكومة مستقرة.
ومهما يكن الأمر فإنه يجب الاعتراف بأن بناء نظام حكم ديوقراطي في العراق لن يتم في خمس سنوات فقط، ويجب على الأمريكيين أن يعدوا أنفسهم لسنوات طويلة في الجحيم العراقي، وربما يكون التخلص من صدام حسين أسهل جزء في هذه العملية، وسوف تكون التحديات الإسلامية مؤثرة جدا في حكم العراق بعد الإطاحة بصدام حسين وربما يواجه الأمريكيون نفس التحديات في دول عربية وإسلامية أخرى، فالحركات الإسلامية التي تستطيع فرض نفوذها من خلال إثارة السخط الشعبي على الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة يمكنها الاستفادة من الاحتلال الأمريكي للعراق بنفس الشكل.
وكما تعهد بوش في نفس خطابه الأسبوع الماضي، يجب على الولايات المتحدة أيضا العمل بشكل جاد لتحقيق تسوية سلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في أقرب وقت ممكن.
|