* دمشق الجزيرة عبدالكريم العفنان:
تؤكد وقائع السياسة السورية انه ومنذ تسلم الرئيس بشار الأسد لمهامه الدستورية، فإن إيقاع العمل الحكومي تبدلت بشكل ملحوظ. ورغم أن سورية عاشت في تلك المرحلة تحديات إقليمية كثيرة بدءاً من اندلاع الانتفاضة وانتهاء بالازمة العراقية، لكن السياسة السورية في عهد رئيسها الشاب حافظ على سوية عالية من الوضوح في مختلف المسائل، واليوم قدم الرئيس السوري خطابه الثاني أمام مجلس الشعب، وذلك بعد خطاب القسم، ليوضح من جديد بانوراما السياسة السورية خلال عامين، لكنه في نفس الوقت نقل تفاصيل الحدث السياسي الحالي، وكل ما يتعلق بالقمة العربية الأخيرة وأداء النظام العربي عموما، ووفق المؤشرات الأولية لكلمة الرئيس السوري ظهر تركيز تفاصيل المرحلة ببعديها الداخلي والخارجي، لتشكل العنوان الأبرز لمجمل ما طرحه الرئيس السوري، حيث حرض على إعطاء وضوح لموقف دمشق ولطبيعة المفاهيم التي بدأت تسود الحياة السياسية منذ أول خطاب رسمي له أمام مجلس الشعب السابق. ولكن قبل أي تفاصيل فإن الرئيس السوري قدم أيضا مؤشرات حول الموقف السوري عربيا ودوليا. فالملاحظ أنه انتقد بشكل تفصيلي أداء النظام العربي تجاه المسألة العراقية، معتبرا ان الوضع اليوم لا يعبر عن الحدود الدنيا للمطالب العربية، ولا يتساوى في كثير من الأحيان مع مواقف عدد من الحكومات والمجتمعات في العالم، كما انتقد السياسة الامريكية ايضا وبشكل يبرز التباعد في سياسة البلدين تجاه المنطقة عموماً، ورغم أن الرئيس السوري حاول عدم طرح عبارات قاسية حول الوضع العربي، وركز على ان سورية متمكسة بالتضامن العربي ولو بالشكل على أمل الوصول الى المضمون، لكن تحليله يوضح:
أن الرئيس السوري يدفع بموضوع النظام العربي الى موقع استراتيجي، سواء من حيث تقييم الأداء أو هدفه في خدمة مصالح الشعوب العربية عموما، فهذا النظام الذي يواجه اليوم إحدى أكبر استحقاقاته لا يقوم بأداء متوازن مع خطورة المرحلة.
شفافية الرئيس السوري في الحديث عن النظام العربي لازمها حديث عن المصلحة العربية كمعيار للاداء فالمسألة ليست انتقادا مطلقا إنما وضع معايير تؤدي في النهاية الى خدمة مصالح المجتمعات المنضوية تحت هذا النظام.
وإذا كانت صراحة الرئيس السوري في الحديث عن الوضع العربي دخلت في معظم التفاصيل المتعلقة بالقمة العربية ومقرراتها، فإنه ايضا قام بسبر على اتجاه آخر لأداء سورية داخليا وخارجيا، معتبرا أن انعقاد مجلس الشعب يجب أن يبدأ من استكمال التطوير، وأن احتفال سورية بذكر ثورة آذار عليه ان يكون احتفالا بالنسخة المنقحة والمنسجمة مع الظرف الحالي، وليس مع وضعيتها التاريخية فقط كحدث تغير جرت وقائعه في الماضي.
وعلى نفس السياق رأى الرئيس السوري أن الثورة هي واقع مستمر وبالتالي فهي استكمال للتطور وليس العمل بظروف ثورة الثامن من آذار، والملاحظ أن الرئيس بشار الأسد وضع وبشكل مباشر استحقاقات إضافية أمام مجلس الشعب، فطالبه بعدم الاكتفاء بمهامه التقليدية على أهميتها، لأن دوره هو الارتقاء الى مستوى المشاركة في التطوير وطرح الأفكار، مركزا على عملية التفاعل التي يجب بناؤها بين المجلس والسلطة التنفيذية، إضافة لعملية التفاعل ما بين أعضاء المجلس والشعب، والتفاصيل التي تحدث عنها الرئيس السوري تشكل في الواقع مجالا يمكن عبره فهم الرؤية السورية للسياسة الداخلية، فهو:
أولا: أعاد الى أذهان المجلس خطاب القسم لأنه اعتبره (منهج تفكير) وليس خطة تنفيذ كما فهمها البعض. فهذا الخطاب استندت عليه مختلف الطروحات اللاحقة والتي أسست لتحرك سياسي داخل الشارع السوري، فتم استخدامه لتبرير الكثير من التحركات التي أنشأت مصطلحاتها بشكل فردي وليس لمصلحة الوطن، وهنا فإن الرئيس السوري أوضح أن هناك ضرورة لإجراء تقييم موضوعي لما قامت به الدولة والحكومة من أجل إزالة الشوائب التي أثرت على الأداء، مطالبا بتعزيز الحوار الذي يلعب مجلس الشعب دوراً كبيرا فيه.
ثانياً: أوضح الرئيس السوري أن التطوير في سورية يصطدم بالعقبة الإدارية، التي لا تحتاج الى تأهيل جديد لها في سورية. وبين الرئيس بشار أن الحكومة الفرنسية سترسل خبراء في الإدارة من أجل مساعدة الحكومة السورية، ومما لا شك فيه أن الخطاب قدم تقييما موضوعيا لطبيعة الأداء الحكومي، وذلك عبر واقعية ظهرت جلية في الخطاب الذي وجد أن هناك قضايا أساسية يجب التركيز عليها مثل البيئة والخلل في التوزع السكاني والمياه والموارد البشرية.عمليا فإن الرئيس السوري فاجأ الحضور في التركيز على التفاصيل التي تعتبر جوهر عملية الإصلاح، وقدم بعد عامين تقريبا على تسلمه مهامه الدستورية تقييما ضروريا لأداء السياسة السورية ضمن ظرف صعب ومعقد.
|