فشل الدبلوماسية الامريكية في مساعيها لاقناع العالم بضرورة الحرب هو مؤشر سوداوي للجهود الحربية والردعية الامريكية المبذولة.
يبدو ان الدبلوماسية الامريكية لم تكن في مثل هذا الوضع البائس الذي يبعث على الشفقة في الاسابيع الاخيرة وما حدث يوم الجمعة الماضي في مجلس الأمن كان نموذجا صارخا لذلك.
الذرائع الامريكية بصدد الحاجة لشن الحرب ظهرت في هذه المرة في صورة أقل اقناعا من السابق في مواجهة تقريري رئيسي المفتشين، وجه كولين باول المتعب والشارد كشف عن الاحباط الذي تشعر به الخارجية الامريكية التي فشلت للمرة الثالثة خلال شهر واحد في توفير الدعم لآلة الحرب التي تم تشغيلها. والامر لم يقتصر فقط على عدم استفادة الدبلوماسية الامريكية من تقارير المراقبين وانما ظهرت في صورة من يتآمر عليها.
قبل ذلك بليلة واحدة بذل الرئيس بوش في مؤتمره الصحفي الذي أثار آمالا كبيرة جل قدراته من اجل تقليص وتقليل الأضرار المتوقعة للولايات المتحدة من تقارير هانس بليكس والبرادعي سلفا، المداولات في مجلس الأمن يجب ان تتركز حول سؤال واحد ووحيد حسب رأيه: هل سينصاع العراق بصورة غير دقيقة لمطلب مجلس الأمن في قضية تفكيك السلاح المحظور. والجواب على هذا السؤال الأساس، كما قال بوش، بقي سلبيا كما كان دائما، الا ان التقارير المذكورة لم تتلاءم مع الاعلان الرئاسي، بليكس والبرادعي رفضا الاجابة بصورة قاطعة على سؤال بوش، لا بل وألقيا بظلال قوية على دافعية الادارة الامريكية الحقيقية: فهل تريد الادارة الامريكية فعلا حظر السلاح العراقي، ام ان ما تريده هو تغيير النظام العراقي؟.
في الصورة التي رسمها كبار طاقمي التفتيش تظهر نقطة ضوء ونقطة ظلام في آن واحد، الا انهما ذكرا ان العراق يتعاون مع المفتشين بصورة لم نشهدها من قبل. بليكس عاد وأكد ان ابادة الصواريخ العراقية هي الحالة الاولى منذ أواسط التسعينيات للقضاء على سلاح محظور، والتقرير الضخم الذي وضعه يشير الى ان هناك سلسلة طويلة من المشاكل مع العراق حتى الآن، الا انه يتضمن طلبا مناشدة باعطاء المفتشين وقتا كافيا للقيام بمهمتهم لاتخاذ قرار بشأن انصياع العراق أو عدمه، ومدير عام وكالة الطاقة النووية، محمد البرادعي، تجاوز ذلك في القول ان طاقمه (أغلبهم من الامريكيين والبريطانيين)، لم يجد أي دليل يتناقض مع المعلومات التي وفرها العراق حول الالمنيوم والمغنيسيوم، وتبين ايضا ان المعلومات حول شراء اليورانيوم من النيجر غير صحيحة.
ما حدث يوم الجمعة في مجلس الأمن يظهر كبداية لانهيار دبلوماسي، الا انه لا يؤثر في حالته هذه على دوامة الحرب المجنونة التي أدخلت امريكا نفسها فيها وكأنها عمياء من دون ان تترك لنفسها خيارا للخروج منها، الدولة تدور من دون الانتباه لهذه الهزيمة في دائرة الدبلوماسية، ومن الصعب التفكير في حالات تاريخية كثيرة كانت فيها فجوة كبيرة الى هذا الحد بين قوة الاندفاع للحرب وبين انهيار الجهود الاعلامية والدبلوماسية في هذا الاطار. وهذا مؤشر سوداوي لامريكا ولكل من يريدون لها الخير والنجاح.
(*) زميل وباحث كبير في جامعة ميريلاند
|