تتأبط أوراقها، تسرع الخطى...، ذهنها يكتظ بالأفكار...، شبكات متداخلة داخل رأسها الصَّغير، أعبر من أمامها، لا تراني، أعود أحرَّك لها يدي في مواجهة عينيها، لا ترى...، أعتلي نبرة صوتي: هـه... أيَّتها العزيزة، تفطن لي: مرحباً، كلُّ هذا تفكِّرين وأنتِ تمشين إلى مكتبكِ؟ قالت: هموم...
وأيَّة هموم تعتلي سُدَّة هموم الذي يحيط بالأمَّة...؟ قالت: أفكِّر في هذه الأوراق إنَّها «الدِّرافت» للبحث الذي أعزم تقديمه في مناسبة علمية!!....... «هـه» «درافت»...
تداعب هذه الكلمة مخيِّلتي كلَّما سمعت نشرات الأخبار، وقرأت الصُّحف، وتصفَّحت مواقع «التَّحليل» لأحداث الوقت... تطفر في تلك اللَّحظات صور «المسوَّدات»، أتمنى أن يُتاح لي العمل في مهمَّة «لمِّ» المسوَّدات قبل إيداعها سلال النِّفايات، أو التهام مكنات «الفرم» لكياناتها البكر... حيث خامات الأفكار، وصدق الحقائق...!!
هذه «المسوَّدات» هي الصُّورة الأولى لمبتدأ الأفكار!! وهي الوجه الصَّادق «لنوايا» الصِّدور، وهي «الحقيقة» التي لا يلوِّنها ولا يزخرفها تنميقُ، أو تحسين...
هذه الصُّورة الواضحة الصَّادقة لعفوية المراد...، وهي وعاء الصَّراحة، ومحتوى الواقع، وشكل الحقيقة في مبتدأ التَّدوين...، هي من يضعها بمستوى فكره، وعمق موضوعه، وشكل قدراته...، هي التي لايعتورها كذب، ولا يضاف إليها بهار...
هي... وآه... هزَّتني صاحبتي من كتفيَّ وهي تقول:
لم تفد إشاراتي الصَّوتية ولا اليدوية في إعادتكِ من بحر أفكاركِ، يبدو أنَّ ثمَّة شبكة عنبكوتية قد تداخلت في رأسكِ وبدل أن تستحثِّي انتباهي لكِ، أصبحتُ أحاول استحثاث انتباهكِ لي أين ذهبتْ بكِ أفكاركِ صديقتي؟! قلت: داخل ملفات مسوَّداتكِ سيِّدتي!!
داخل ملفات مسوَّدات: الأنباء، والأحداث، والتَّحاليل، داخل «درافت» «الدِّارفت» في واقع كلِّ ورقة يطمس فطرتها الإنسان!!.
|