مع مطلع العام الهجري الجديد 1424هـ بدأ التطبيق الفعلي لقرار توطين فرص العمل في محلات الذهب ومعه يتزايد الأمل بإمكانية تحقيق خطوات مخلصة لتصحيح الخلل الهيكلي في سوق العمل السعودي. وعلى الرغم من الصعوبات التي قد تواجه التطبيق الفعلي لهذا القرار وفي مقدمتها الامتناع الظاهر والباطن لرجال الأعمال عن قبول الشاب السعودي، إلا أن العزم الوطني الرسمي على تحقيق النجاح سيتفوق بإذن الله خاصة في ظل التأكيدات المستمرة لسمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة حفظه الله على ضرورة تقديم المصلحة الوطنية على كافة المصالح الأخرى وعلى ضرورة حماية الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني للوطن من خلال حماية الشباب من البطالة وتداعياتها السلبية الخطيرة.
ولكن ومع كل هذا العزم الرسمي الواضح، لا بد من التنبيه إلى أن نجاح تنفيذ القرار على أرض الواقع يتطلب من الجميع الاستعداد لتقبل الهزة المؤقتة التي يتعرض لها سوق الذهب كنتيجة طبيعية للمرحلة الانتقالية التي لم يتهيأ لها تجار الذهب بالشكل المناسب لاعتقادهم بمقدرتهم على تعطيل تنفيذ القرار.
كما أن من الضروري أن نمنح قوى السوق «العرض والطلب» الفرصة لتصحيح الخلل الذي قد يحدث نتيجة تطبيق القرار حيث إن من المتوقع أن تعاني السوق من نقص مؤقت في المعروض من العمالة الوطنية مما قد يؤدي إلى إغلاق بعض المحلات والى خسائر مؤقتة لبعض رجال الأعمال.
ومن الضروري أيضا أن ندرك أن التراخي في تطبيق القرار لا يؤثر فقط على معدلات التوظيف في أسواق الذهب ولكنه في الواقع يهز مصداقية القرارات اللاحقة التي قد تستهدف مجالات أخرى مما قد يسهم في إحباط المواطن السعودي ويزيد من تمكين العمالة الأجنبية ويضيف صعوبة هيكلية أمام محاولات التصحيح المستقبلية. وبالتالي فإن الإصرار على تنفيذ القرار لا يمثل مطلباً اقتصادياً فقط ولكنه مطلب استراتيجي لتحقيق الأمن الوطن الشامل الذي يمثل السلاح الفاعل لحماية منجزاتنا التنموية وصيانة مرتكزاتنا الأمنية. وهنا أعتقد أن من أهم مكونات استراتيجية الإصرار المنشودة أن نتعامل بحذر شديد مع النداءات التي سيطلقها حتماً بعض رجال الأعمال بهدف التأثير على صاحب القرار وبهدف حماية مصالحهم الخاصة بغض النظر عن المصلحة الوطنية.
كما أن من مقومات نجاح استراتيجية الإصرار المطلوبة العمل على تهيئة بيئة العمل الملائمة للشاب السعودي وحمايته من المضايقات التي قد يتعرض لها من قبل بعض رجال الأعمال لزعزعة رغبته في العمل ولتصويره في صورة العامل الكسول غير القادر على تحقيق الإحلال الكمي والنوعي للعمالة الأجنبية. وأخيراً لا بد أن نعي أن الذهب سلعة كمالية لا تتوقف عليها حياة الإنسان مما يعني عدم خطورة تداعيات المرحلة الانتقالية التي قد تصاحب تطبيق القرار. فهل نستغل الفرصة لمواصلة مسيرة الإصلاح الهيكلية لهذه السوق المهمة؟ نتمنى ذلك!
|