* القاهرة «أ.ش.أ» مصطفى سميح:
حذر التقرير السنوي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونيسكو» من خطورة تناقص الموارد المائية على المستوى العالمي بصورة ثابتة بفعل النمو السكاني والتلوث والتغير المناخي المرتقب.
وأوضح التقرير الذي يأتي عشية انعقاد المنتدى العالمي الثالث حول المياه الذي يعقد في «كيوتو» باليابان من 16 الى 23 مارس الحالي أن أزمة المياه أصبحت تأخذ منحنى غير مسبوق على المستوى العالمي نتيجة لجمود صانعي القرار فضلا عن تفاقم نقص المياه للفرد في أنحاء عديدة من العالم النامي.
وأشار التقرير الى تأكيد كويشيرو ماتسورا مدير عام منظمة اليونسكو الى أن أزمة المياه أصبحت من بين الأزمات الاجتماعية والطبيعية التي تواجه البشر وتعد في صلب مسألة البقاء على هذا الكوكب محذرا من أن أية منطقة في العالم لن تكون بمنأى عن الأثر الحاسم لهذه الأزمة التي تطول جميع جوانب الحياة بدءا من صحة الأطفال ووصولا الى قدرة البلدان على تغذية شعوبها.
وذكر التقرير أن الموارد المائية على المستوى العالمي تشهد تناقصا مستمرا في حين يزداد الطلب عليها.. وتوقع أن يبلغ انحسار المياه المتوفرة للفرد في العالم بمعدل الثلث على مدى الأعوام العشرين المقبلة.
ولاحظ التقرير غياب الارادة السياسية اللازمة للحيلولة دون تفاقم هذه الأزمة على الرغم من تعدد الأدلة حول اشتداده.. موضحا أن ربع القرن الأخير كان مسرحا للعديد من المؤتمرات الدولية التي كرست بحثها حول كيفية تأمين احتياجات الأفراد من المياه وتنقيتها خلال الأعوام المقبلة وقد جرى خلال هذه المؤتمرات تحديد العديد من الأهداف لتحسين إدارة الموارد المائية الا أن أيا منها لم يتم بلوغه.
ووضع التقرير تصنيفا لأكثر من 180 دولة ومنطقة وفق الموارد المائية القابلة للتجدد والمتوفرة للفرد أي المياه الجارية على سطح الأرض أو تحت سطح الأرض أو في الأعماق مشيرا الى أن هناك العديد من البلدان الأكثر افتقارا للمياه من بينها الكويت بمعدل توفر مياه بكمية 10 امتار مكعبة للفرد في السنة. وقطاع غزة بمعدل 52 مترا مكعبا في السنة والامارات العربية المتحدة بمعدل 58 مترا مكعبا للفرد في السنة وجزر الباهاما بمعدل 66 مترا مكعبا من المياه في السنة وقطر 94 مترا مكعبا في السنة وجزر المالديف بمعدل 103 امتار مكعبة في السنة والجماهيرية العربية الليبية بمعدل 113 مترا مكعبا في السنة والمملكة العربية السعودية بمعدل 118 مترا مكعبا في السنة ومالطا بمعدل 129 مترا مكعبا في السنة وسنغافورة 149 مترا مكعبا في السنة.
كما أشار التقرير الى البلدان التي تتصدر القائمة من حيث وفرة المياه وعلى رأسها جويانا الفرنسية التي يبلغ معدل نصيب الفرد من المياه فيها في العام 812121 مترا مكعبا في السنة تليها آيسلندا وسورينام والكونغو وبابوانيوغينيا والجابون وجزر سليمان وكندا ونيوزيلندا.
وأوضح التقرير أن 7 مليارات شخص في 60 بلدا أو مليار شخص في 48 بلدا سيواجهون عام 2050 مشكلة شح المياه كنتيجة مباشرة لزيادة النمو السكاني والقرار السياسي.. كما سيتسبب التغيير المناخي بنسبة 20 في المائة تقريبا في ازدياد شح المياه في العالم.. وقد تتلقى المناطق الرطبة كميات اكبر من الأمطار بينما ينتظر أن يتراجع هطول الأمطار وان يصبح اقل انتظاما في عدد كبير من المناطق المعرضة للجفاف وفي المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية وستزداد نوعية المياه سوءا بسبب ارتفاع مستوى التلوث ودرجة حرارة المياه.
وأشار تقرير منظمة اليونسكو الى أن زهاء مليوني طن من النفايات تصب يوميا في الأنهار والبحيرات والجداول .. وحسب الاحصاءات الواردة في التقرير فإن هناك 12000 كيلو متر مكعب من المياه ملوثة في العالم تقريبا مما يمثل كمية تفوق مجموع المياه في الأحواض النهرية العشرة الكبرى في العالم وفي أي فترة من السنة.
وحذر من استمرار معدل التلوث على هذا النحو.. مشيرا الى انه بوتيرة مماثلة لزيادة النمو السكاني فإن كوكبنا سيخسر 18000 كيلومتر مكعب من المياه العذبة بحلول عام 2050 أي ما يقدر بتسع مرات تقريبا من مجموع ما تستخدمه الدول للري سنويا وهو النشاط الأكثر استهلاكا للمياه على الاطلاق والذي يمثل 70 في المائة من استخدامات المياه.
وقدم تقرير اليونيسكو تصنيفا لـ122 بلدا وفق معايير تشمل نوعية المياه وقدرة ورغبة هذه البلدان في تحسين وضعها. وجاءت بلجيكا في نهاية القائمة بسبب كميات المياه الضئيلة في باطنها وقلة جودتها فضلا عن المستوى المرتفع للتلوث الصناعي وسوء معالجة المياه، وتلاها المغرب والهند والأردن والسودان والنيجر وبوركينا فاسو وبوروندي وأفريقيا الوسطى ورواندا.
وأشار التقرير الى عشرة بلدان هي فنلندا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة واليابان والنرويج وروسيا الاتحادية وجمهورية كوريا والسويد وفرنسا حققت أفضل النتائج في معالجة المياه.. مشيرا الى أن الفقراء لا يزالون الأكثر تأثرا بهذا الوضع، ذلك أن 50 في المائة من سكان البلدان النامية عرضة لمصادر المياه الملوثة.
وأضاف أن الأنهار الآسيوية تعد أكثر الأنهار تلوثا في العالم باحتوائها على مستويات من البكتريا تتجاوز المعدل العالمي بثلاث مرات والناجمة عن النفايات التي ينتجها الإنسان كما تحتوى هذه الأنهار على مستويات من الرصاص تفوق عشرين مرة تلك الموجودة في مياه البلدان الصناعية.
وحذر تقرير اليونيسكو من ان الزيادة المتوقعة للسكان على المستوى العالمي ستظل تشكل سببا أساسيا في تفاقم أزمة المياه .. موضحا أن كمية المياه المتوفرةللفرد انخفضت بمعدل الثلث بين عامي 1970 و1990.
واشار الى انه حتى وان تباطأت معدلات الولادة اليوم فمن المنتظر أن يبلغ عدد سكان العالم 3 ،9 مليارات نسمة بحلول عام 2050 مقارنة بستة وواحد من عشرة عام2001.
وأكد تضاعف استهلاك المياه مرتين تقريبا خلال نصف القرن الماضي مشيرا الى ان الطفل المولود في العالم الصناعي يستهلك كمية من المياه تزيد بمعدل يتراوح بين 30و50 مرة عن الكمية التي يستهلكها طفل ولد في العالم النامي.
وأضاف ان نوعية المياه تزداد سوءا ويشهد العالم وفاة 6000 شخص معظمهم من الأطفال ما دون الخامسة من العمر من جراء أمراض الإسهال الناجمة عن تلوث المياه.
ومن هذه المعطيات يحلل التقرير الأبعاد الرئيسية لاستخدام المياه وادارتها بدءا من نمو المدن الى تهديد اندلاع الحروب حول المياه وتتابع الفصول بالتركيز على خط احمر ثابت وهو أن أزمة المياه التي تترجم من خلال عدد وفيات الأطفال جراء المرض أو من خلال تلوث الأنهار انما هي أزمة حكم أو انعكاس لغياب الارادة السياسية لادارة الموارد المائية بصورة سليمة.
كما أشار التقرير الى أن التحدي الفعلي على الصعيد العالمي يكمن في وجود الارادة السياسية الكفيلة بتحقيق الالتزامات بشأن المياه.. وطالب المختصين في هذا المجال ورجال السياسة بأن يدركوا السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ويلموا على نحو افضل بالمسائل المتعلقة بالمياه .
وحذر تقرير يونيسكو من مخاطر تفجر مشاكل كبرى في القرن الحادي والعشرين نتيجة لندرة المياه ونوعية المياه وإدارتها خاصة والعالم يشهد وفاة اكثرمن 2 ،2 مليون شخص سنويا جراء الأمراض التي تسببها المياه الملوثة وسوء النظام الصحي، كما أن الأمراض المرتبطة بالمياه تسفر عن عدد كبير من الوفيات اذ إن حوالي مليون شخص يموتون كل عام بسبب داء الملاريا فيما يعاني ما يزيدعلى 200 مليون شخص من مرض البلهارسيا علما انه يمكن تدارك هذه الخسائر الفادحة.
وأشار تقرير اليونيسكو الى تعهد المجتمع الدولي خلال القمة العالمية حول التنمية المستدامة في جوهانسبرج عام 2002 بأن يخفض معدل الأشخاص غير القادرين على الحصول على مياه جيدة ونظام حد أدنى للتنقية الى النصف بحلول عام 2015.
وأوضح التقرير أن بلوغ هذه الأهداف يتطلب توفر إمكانية الحصول على المياه لمليار ونصف المليار نسمة الإضافيين في عام 2015 وهذا يعنى وجوب توفير هذه الخدمات لأكثر من 100 مليون شخص إضافيين كل عام أي 274000 يوميا بين عامي 2000 و2015 .
وذكر أن الشبكات الصحية تطرح تحديا اكبر بما أن 971 مليار شخص اضافي في العالم سيحتاجون الى خدمات افضل مما يمثل 125 مليون شخص جديد كل عام أي 342000 شخص يوميا بين عامى 2000 و2015 مشيرا الى الصعوبات اللوجستية والمالية، فضلا عن العوامل الثقافية التي تزيد المهمة تعقيدا بالنسبة الى توفير نظام صحي سليم.
وتوقع في حال الحفاظ على المستوى الحالي من الاستثمار أن تنجح كافة مناطق العالم في بلوغ هذين الهدفين أو الاقتراب منهما على الأقل باستثناء أفريقيا جنوب الصحراء بيد أن الاحتياجات الاستثمارية في آسيا تفوق بكثيراحتياجات أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي مجتمعة وسوف تكلف عمليات المعالجة في المراحل الأولى حوالى 6712 مليار دولار .
وأشار التقرير الى مصادر هذا الاستثمار في المياه موضحا أن تمويل أهداف التنمية للألفية الجديدة قد يشكل أحد أهم التحديات التي ستواجه المجتمع الدولي خلال الأعوام الخمسة عشر المقبلة.
وسلط التقرير الضوء على الأفكار المتداولة بشأن سعر المياه والخصخصة اذا كان من الضروري اشراك القطاع الخاص في عملية إدارة الموارد المائية.. ووفقا للنتيجة التي يخلص اليها التقرير فإن هذا القطاع يجب أن ينظر اليه كأداة حفز مالي وليس بوصفه شرطا مسبقا لتطوير المشروع وينبغي أن تبقى الأصول تحت سيطرة الحكومة والمستخدمين.
كما ركز التقرير على أن أية عملية للخصخصة أو نظام لوضع أسعار للمياه يجب أن تشمل آليات لحماية الفئات الأكثر فقرا، فمن المثير للصدمة رؤية تلك الفئات التي تعاني من صعوبات جمة لبلوغ المياه وهي تسدد ثمنا اكثر ارتفاعا لقاء الحصول على هذا المورد، ففي نيودلهي بالهند على سبيل المثال يفرض البائعون على الفقراء تسديد 8974 دولاراً لقاء المتر المكعب من المياه.
|