ربما حين يتكلم احدنا عن دولة من الدول الخليجية يتبادر إلى الذهن: البترول!
فكرة قديمة بلا شك، بدأت تتغير مع الوقت، كثيرون ينظرون إلى الخليج نظرة أخرى، ليس نظرة بترولية، بل سياسية أيضا، المملكة العربية السعودية واحدة من الدول الأهم في المنطقة، لا يمكن لأحد الكلام عن الخليج دون أن يقول :المملكة العربية السعودية، قلب الخليج النابض.
قبل سنة، قال أرييل شارون« لجريدة» الواشنطن بوست«ان أكثر الدول الخليجية التي تشكل خطرا على إسرائيل هي :المملكة العربية السعودية ! قطعا لشارون أكثر من سبب لقول هذا، أولها أنه أراد أن يحول منطقة الشرق الأوسط إلى بركة من الدم، منذ وصوله إلى رئاسة الوزراء، لم يفعل شارون شيئا يعزز أي أمل في نفوس المجتمع الدولي، شارون أخطر من الشيطان«يقول» شيمون راوول«الكاتب الصحفي في جريدة«هآرتز» الإسرائيلية، طبعا «شارون» يشكل خطرا حقيقيا بدوره على الجميع، بمن فيهم الدول التي تسانده مباشرة كالولايات الأمريكية المتحدة، وبريطانيا، لهذا حين أعلن ولي عهد السعودية عن مبادرة بلاده الخاصة بأزمة الشرق الأوسط، اعتبرت العديد من العواصم الأوروبية أنه حان الوقت للحديث عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل مباشر.
ربما أزمة الخليج أحدثت شرخا دوليا كبيرا بين مؤيدين و رافضين للحرب، لكن قرار اللجوء إلى الشرعية الدولية لإيجاد حل لها كان صائبا، وقد اتخذته المملكة العربية السعودية بشجاعة..النظام العراقي أثبت أكثر من مرة أنه لا يلتزم بوعوده، يقول أحد الدبلوماسيين السعوديين، هذا صحيح، فالنظام العراقي لم يرد أن يستفيد من سنوات «الهدوء» التي تلت حرب الخليج الثانية ولم يتقدم خطوة واحدة لعلاج أزمة الأسرى الكويتيين، ولم يكف عن إزعاج جيرانه بشكل أو بآخر.
ربما لأن النظام العراقي يعتمد على رؤيته الشوفينية للأمور،رؤية لا تخدم احداً ولا حتى الشعب العراقي المحاصر منذ أكثر من عشرة أعوام،«لا أحد يريد اندلاع الحرب، لكننا لا نقبل أي تهديد مهما كان مصدره أو نوعه» يقول ولي عهد المملكة، المسألة كانت محسومة من البداية إذاً، الحرب لا يمكنها أن تخدم منطقة كالمنطقة الخليجية، ليس هذا فقط، فهنالك النظرة السعودية للشعب العراقي التي ترى فيه شعبا عربيا طيبا..«لهذا لا يمكن قبول الاعتداء على أي دولة كما لا نقبل أن تعتدي أية دولة علينا»، هذا التزام أرادت المملكة العربية السعودية حمله إلى العالم، و لكن للأسف نظام متشعب مثل النظام العراقي لايمكن الثقة فيه، تلك قناعة أثبتتها التجارب القديمة أيضا، مع ذلك لا يمكن البحث عن شيء أهم من السلام في المنطقة».
إن كانت الحرب على العراق بموجب الشرعية الدولية، فلا يمكن اعتبار ذلك اعتداء، لهذا ننصح و نطالب الأمريكيين بالعمل مع الأمم المتحدة، لأن تغييرالنظام العراقي بتدمير العراق، يعني أننا سنقضي على مشكل والغرق في مشاكل أخرى «يقول وزير خارجية المملكة العربية السعودية لإذاعة البي بي سي مضيفا:«نحن نعيش في المنطقة و سوف نعاني من عواقب أي عمل عسكري» طبعا هذا منطق واضح و صريح و عملي يعني أن الحرب في النهاية ليست نزهة سياحية، وليست أيضا حلا يمكن بموجبه إنهاء الأزمات الكبيرة.
أكثر من ذلك، فإن نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز، .عبر عن رفض بلاده ضرب أي دولة عربية انطلاقا من أراضيه «لن يكون مسموحا لأحد أن يأتي إلى المملكة العربية السعودية لضرب بلد عربي،« الموقف السعودي يبدو موحدا بين السعوديين و قد كان واضحا أن المجتمعين في القمة العربية الأخيرة سوف يخرجون به أيضا: لا للحرب على العراق، والبحث عن الحلول يجب أن يبدأ بالصراع العربي الفلسطيني أكثر من أي شيء آخر، لأن الأزمة العراقية مهما بدت ظاهرة و مزعجة فهي في النهاية أقل من أزمة الشرق الأوسط، تقول جريدة «الشرق الأوسط».
السعوديون يرجعون إلى القضية الفلسطينية للكلام عن السلام المنشود، و هو ما يتفق عليه أكثر من بلد عربي و أوروبي أيضا ( فرنسا تعتبر إيجاد حل للقضية الفلسطينية أكبر مطلب يمكن عبره تحقيق السلام في العالم )، فهل حان الوقت للحديث عن السلام إذن؟ «السلام ليس كلمة»، يقول السفير السعودي في فرنسا، نعرف ذلك قطعا،العالم أيضا يعرف ذلك، السلام الذي لا يمكن حمله بمنقار حمامة قد تتعرض للقصف أوللاغتيال، السعوديون لا يحبون الرهط الكثير، يريدون الحلول العملية، التجار بالسياسية الماضية علمتهم أن السياسة ليست حربا دبلوماسية فقط، بل موقف صارم أيضا، السعوديون يرفضون مناقشة القضية الفلسطينية من دون مناقشة حقوق الفلسطينيين في أرضهم بالرجوع إلى حدود ما قبل 1967.
مشروع قدمه ولي عهد المملكة العربية السعودية في قمة بيروت الماضية، ربما يجب اعتبار المشروع السعودي الأكثر أهمية منذ سنوات لأجل فرضية حل عادل و دائم لأزمة الشرق الأوسط، ليس لأنه جاء في وقت حرج جدا بالنسبة للمجتمع الدولي، بل لأنه وضع إسرائيل لأول مرة في مأزق سياسي، ولأنه ذكر مجلس الأمن الدولي أن ثمة قرارات مهمة لم تطبق على أرض الواقع. إسرائيل لا تنظر إلى السلام بنفس الطريقة، هذه مشكلة اليهود يقول احد الدبلوماسيين السعوديين، طبعا هي مشكلة اليهود الأكبر أنهم لا يستوعبون التغييرات الكثيرة و الكبيرة التي تحصل في العالم، مشكلتهم أنهم يستعملون لغة الدمار، للكلام عن«السلام» في المنطقة، تناقض لم يعد يخفى على احد، لهذا لم نستغرب حين خرج بعض المثقفين اليهود و أعضاء من جمعية«السلام الآن» الإسرائيلية إلى شوارع تل أبيب لمطالبة حكومة« أرييل شاورن» بقبول المشروع السعودي.
السلام ليس كلام، هذه حقيقة أرجو ألا يأتي يوم و نندم لأننا لم نعمل بها.
فالكرة في مرمى المجتمع الدولي الآن !
(*) عن «لاكسبريس» الفرنسية» خدمة الجزيرة الصحفية
|