ليس نشازاً أن نتحدث عن المسلمين في الولايات المتحدة وأثرهم الكبير في إيضاح الصورة الحقيقية عن الإسلام ونحن نختنق هذه الأيام بأجواء الحرب التي تلبدت سماؤنا بسحبها السوداوية، ذلك أن من عوامل التجهم السياسي تجاه المنطقة وشعوبها هو الخلط في المفاهيم والصور المشوهة عن الإسلام لدى كثير من القيمين على المؤسسات السياسية والإعلامية في الغرب. لقد ترسخت في ذهنية قادة الرأي العام الغربي رؤى ما فتئت فئات كثيرة من اليهود الصهاينة وغلاة النصارى يبثونها عبر منابر سياسية وإعلامية متعددة تنطلق من مفهوم «إسرائيل قوية ومتحدة هي الحل الوحيد لمواجهة المد الإسلامي في الغرب» أنتج صورة مشوهة عن الإسلام داخل الولايات المتحدة أثرت بدورها على سياساتها تجاه الشرق الأوسط وشعوبه. ولتحقيق هذا الهدف الكبير وترسيخه في عقل ووجدان الغربي على كل مستوياته تحركت الآلة الإعلامية الضخمة التي تغذيها الأموال اليهودية وجماعات الضغط المتنفذة في مراكز القوى لتفعل بدول العالم الإسلامي وشعوبه ما فعلته في الاتحاد السوفيتي من تلبيس وتشويه للحقائق وتزييف للمفاهيم حتى خيل للشعوب الغربية أن إسرائيل محاطة بسباع مفترسة من الأصوليين الذين تجاوزوا في عدائهم لينقلوا ساحة المعركة إلى الأرض الأمريكية.
لقد أفرز هذا العصف السياسي والإعلامي وهناً دب في نفوس المسلمين في الولايات المتحدة فأصبح جلهم خائفاً يترقب، وهو وهن أضعف مشاركتهم السياسية، وجعلهم يتوارون خجلاً من ثقافتهم وهويتهم، وهو انزواء يتجاهل دورهم المؤثر في العملية السياسية الذي بلغ أوجه وازدهاره وتألقه عندما رجحت أصواتهم ترشيح جورج بوش للفوز بالرئاسة الأمريكية، وهو ما يعترف به كثير من أعضاء الحزب الجمهوري الحاكم.
لا بد أن يعي المسلمون في أمريكا أن حركة التغيير التاريخي لا تتأثر بالحوادث الجسام التي تواجهها، وأن مسيرة الدعوة إلى الإسلام لا يمكن أن تتوقف حتى وإن بدا لكثير من الناس أنها تواجه خطر الصد والحرب والمطاردة فالذي يقرأ التاريخ يدرك أن المسلمين واجهوا فتناً مظلمة وحروباً طاحنة ضاقت على المسلمين فيها الأرض بما رحبت، وبلغت القلوب الحناجر، وزلزل المسلمون زلزالاً شديداً، فذهب ذلك كله وبقي الإسلام.
المسلمون هم أكبر أقلية تعيش في الولايات المتحدة، ويواجهون اليوم حرباً دينية وثقافية شاملة أشعل فتيلها وغذى أوارها من كان يتربص بهم سنين عديدة، ومع ذلك كله نحسب أنها فرصة لم تكن لتتهيأ لهم من قبل لتقديم الإسلام على حقيقته والمنافحة عنه، ذلك أنهم يواجهون قوماً لا يعرفون الإسلام، ولا يقف أمام دعوتهم الموروث الاستعماري الصليبي كما في أوروبا، فهي مواجهة يظفر بها من يملك الوصول إلى الوجدان ويحرك بواعث الفطرة، ولا يكون ذلك إلا لأصحاب الحق المؤيد بالحجة والبرهان، وتبقى القضية في بعث الوسائل التي تحمل هذا الحق، وهو ما ينتظر من المسلمين في الولايات المتحدة. إن كل ما نحتاجه اليوم هو بيان حقيقة الإسلام، ومتى ما اطمأن المسلمون إلى انبعاث هذه الروح فإنهم سيقفون موقف المطمئن الواثق المستعلي على كل تصورات البشر والمستعصي على كل محاولات المسخ والتشويه.
(*) أستاذ الإعلام السياسي المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الرياض
|