السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماذا حصل وماذا وقع؟ كل يوم نقلب صفحات جريدتنا المفضلة الجزيرة نجد خبراً يشير إلى مريض نفسي قتل أقاربه أو أشهر سلاحه عليهم، نعم هذا الذي أصبحنا كل يوم نتصبح فيه كما يقال، فآخرها الخبر الذي نشر يوم الأربعاء الموافق 25/12/1423هـ وهو «قيام أب بإطلاق النار على ابنائه الثمانية ووالدتهم» فهذه الأخبار كثرت وانتشرت بكثرة فهل تعتبر يا عزيزتي الجزيرة سبقاً صحفياً أم سوف يتم العزوف عنها إلى أخبار أخرى لا نعلم عنها ما زالت تدرس في أذهان اصحابها الذين أصبح يطلق عليهم مرضى نفسيين، ماذا حصل يا عزيزتي؟ هل أصبحنا نعيش زمناً يشكل المرضى النفسيون فيه السواد الأعظم أو أكبر عدد؟ ماذا حصل؟ فكل يوم نتصفح صفحات جريدتنا المفضلة ونجد خبراً يتصدر صفحاتها وهو قيام شخص بالانتحار ونجد في آخر الخبر بأنه مريض نفسي، عزيزتي أليس لكل داء دواء، ألا يعتبر المرض النفسي من الأمراض التي تعترض حياة الفرد، إذن أين الأخصائيون الاجتماعيون، أين الأطباء النفسيون؟ أينكم أيها السادة يا من تحملون حرف الدال وتعملون في هذا المجال؟ لماذا أصبح المرضى النفسيون يكثرون في مجتمعنا وفي زمننا؟ هل هو من ضغوط الحياة ومسؤولياتها، هل هو من الابتعاد عن ذكر الله ونسيان الصلاة والتهاون فيها؟ هل هؤلاء مرضى نفسيون فعلاً أم عندما يوقعهم الشيطان في قتل نفس بريئة بدون ذنب يعلقون فعلتهم المشينة على هذه الشماعة وينضمون إلى لائحة المرضى النفسيين التي زاد حجمها في هذا الزمن وفي الفترة الأخيرة خاصة، إذن المرضى النفسيون هم بشر أسوياء يعيشون معنا ويزاولون حياتهم، ولكن إذا قفلت معهم وقتلوا شخصاً بريئاً قالوا نحن مرضى نفسيون ونعاني من ضغوط وصراعات نفسية، وردد بقية المجتمع معهم بأنهم فعلاً مرضى نفسيون! لا نعلم عن ذلك ونحن لسنا أطباء ندرس حالتهم، ولكننا نردد ونقول ما يقولونه، فحسبنا الله ونعم الوكيل، أصبح الشخص ينتحر ويقتل نفسه، أو يقتل غيره ويتناقل المجتمع خبره وعندما ننسى قصته المؤلمة.. وبعد فترة أخرى نسمع عن شخص آخر بأنه أقدم على مثل هذه الفعلة، فنتعجب ونقول هل نحن في زمن المرضى النفسيين فعلاً؟ أم من أراد التخلص من ضغوط الحياة ومشاكلها اليومية أقدم على قتل نفسه ليريحها أو قتل غيره حتى يقتل، لا حول ولا قوة إلا بالله.
عزيزتي ماذا حصل وأين المختصون والمعنيون بالأمر قبل أن يستفححل؟ أينكم؟ لماذا لا تعالجون المرضى النفسيين ومن انتمى إليهم، لماذا لا يتم ايجاد جمعية مستقلة تعتني بأمرهم وتدرس مشاكلهم وتعيدهم إلى الصواب وترشدهم بالطرق الصحيحة، ما هي أسباب مرضهم ومتى بدأت وإلى أي مرحلة وصلت وهل من الممكن علاجها بالطرق المناسبة؟ فأحياناً تجد الشخص عمرة يقارب الخمسين عاماً ويقولون هذا مريض نفسي، فهل المرضى النفسي أتى إليه بعد مرحلة طويلة من العمر، أم أنه فيه من الصغر، هل المرض النفسي وراثي؟ لماذا يهمل هذا الشخص الذي يعول عائلة كبيرة وهو مريض نفسي، لماذا لا تسهل عملية علاج المرضى النفسيين في هذا المجتمع المسلم المتكافل، أين الدور الاجتماعية، وأين الشؤون الاجتماعية؟ نعلم أنكم لم تغفلوا عن هؤلاء المرضى وتسعون إلى معالجتهم وتأهيلهم مرة أخرى، ولكن رغم ذلك أصبحوا بكثرة، أين السبل التي تساعد على تقليلهم؟ هل هو اكتشافهم مبكراً، لماذا أصبحنا كل مرة نقرأ خبر اختفاء الشخص المنشورة صورته ورجاء ذويه ممن يعرف عنه شيئاً الاتصال على الارقام المدونة ووالدته ما زالت تعيش في وضع نفسي سيئ، فهو مريض نفسي واختفاء والدته بعد اختفائه تعيش فترة صعبة، فهل هي سوف تصبح مريضة نفسيه من بعده؟ فبعد أن كان شخصا واحداً أصبحوا شخصين والله يستر لا تصبح العائلة كلهم مرضى نفسيين بسبب اختفائه رغم أن المذكور لا يعاني من أي أمراض، فلماذا هو اختفى؟ أم أن المرض النفسي كان يسري بنفسة طيلة هذه الفترة وفي تلك اللحظة اختفى أو خرج بلا عودة، المسؤولية مشتركة، بل مسؤولية المجتمع بأكملة، بالمدرسة والبيت والمسجد والشارع، فلماذا مجتمعنا إذا وجد شخص مريض نفسياً تجد الكل يهرب عنه ولا يريد الاقتراب منه، فبذلك تتضاعف مشكلته وتزيد معاناته إلا تعلمون بأن هؤلاء المرضى النفسيين يصارعون صراعات نفسية داخلية، تنغص عليهم حياتهم رغم أنهم يعيشون معنا ونشاهدهم يومياً ولكن لا نعرف ما بداخلهم، بل تجد البعض يضحك منهم، ولا يوليهم أي اهتمام، فإذا استمررنا على هذا الوضع مع تزايد مشاكل الحياة وضغوطها ومتطلباتهم فسوف يزيد مرضانا النفسيون، ويصبح من بين الشخص الواحد عشرة مرضى نفسيون، فتجده يعيش وسطهم وهو يترقب تصرفاتهم التي لا يعلم هل هي تقع فيه أم بغيره.
عزيزتي: لكل جهة اختصاص فالمصحات النفسية نسمع عنها بأنها كثيرة أو بالأصح نشاهدها ولكن هل وقفت عاجزة عن رعاية مرضانا النفسيين وعلاجهم، إذا هي عجزت فلماذا نتسبب نحن أهل الشخص بمرضه النفسي ونهمله لماذا لا نرعاه من بداية أعراضه ونحاول إزالة الأسباب التي جلبت له هذا المرض من أسباب مادية واجتماعية وغيرها، لا شك أن المرض الجسدي بالإنسان يسهل اكتشافه بسرعة، ولكن المرض النفسي لا يمكن اكتشافه لأول مرة بل قد يستمر مع صاحبة فترة طويلة والجميع لم يكتشفه، فتجد هذا المريض النفسي قد لجأ إلى المخدرات أو جلساء السوء أو غيرهم، تجده هرب من عائلته إلى مجتمع خارجي يرحب به بكل حفاوة، ويستقبله ويهيء له أجواء محاطة بعبارات يتضح له بأنها سوف تجلب له السعادة، وهي عكس ذلك، فهو لم يجد أباً يحضنه ولا أخاً يسأل عنه ولا بيتاً يهتم بوضعه، فليس بوسعه إلا الهروب إلى فئة خبيثة هي متخصصة بالخبث من أصحاب المخدرات أو غيرها فتجده ينضم إليهم ويستمر معهم ويواصل مشواره الذي يعتبر بداية النهاية أو بداية الهاوية كما سماها الشيخ سعيد بن مسفر في شريط له حول المخدرات، فلماذا شبابنا أصبح معظهم مرضى نفسيين؟ لا شك أنهم بسبب مجتمع قاس وأب مهمل ومشغول أو شحيح بالصرف على ذلك الابن الذي عندما يفقد مصروفه اليومي، ويحس بعدم توفر المادة يلجأ إلى غير والده وتبدأ رحلة الضياع، والتي يتخللها مرض نفسي وغيره، فهل العلاج تأديب بعد الاكتشاف، أم تأهيل، أم دراسة لحالته، أم التزام الصمت وتركه يسير في ظلام دامس؟ الكل يريد أن يكون له ولد صالح ومميز بالمجتمع وبالمدرسة، ولكن كيف يأتي ذلك؟ الكل عندما تجده يتحدث عن شاب مؤدب وصالح بالمجتمع تجده يقول عبارة (المصلح الله) نعم نعلم أن الله هو الذي قدر كل شيء وهو الذي يصلح، ولكن هل ذلك يعفينا من المتابعة والسؤال عن الابن ومراقبته من بعد وعدم الغلظة عليه، فكيف نستطيع ايجاد جيل يراقب نفسه بدون مراقبة الآخرين، لا شك أنها بالاحترام وبالأسلوب الصحيح، وبإشعاره بأنه عضو فاعل بالمجتمع وخاصة إذا وصل فترة المراهقة التي تعتبر أصعب مرحلة يمر بها الإنسان فهي تعتبر مرحلة الافتراق، وعندما يصل الابن هذه المرحلة يجب على والده أن يخاويه كما قيل (إذا كبر ابنك خاوه) ففيها ومن بعدها يمكن أن يكون الابن مريضاً نفسياً أو يجالس جلساء سوء أو يستعمل مخدرات، أو يجالس جلساء صالحين ويصلح بإذن الله، فلا شك أنه إذا وقع في جلساء سوء فسوف يكون مثلهم وتجده تكثر عليه الهموم والوساوس الشيطانية التي تدفعه إلى الإقدام على قتل نفسه أو قتل غيره، وأعتقد أنه من هنا تبدأ مرحلة المرض النفسي، تبدأ بالبعد عن الله وعن تأدية الصلوات الخمس مع الجماعة، وعن هجر القرآن الكريم، وهكذا تتراكم هذه الأمور حتى تصبح الحياة كلها مظلمة بوجه هذا الشاب الذي كان في بداية امره شاباً صالحاً ولكنه بالاختلاط في غيرة من جيله تحول 180 درجة، ولا شك أن راحة القلب وسروره وزوال همومه وغمومه هو المطلب لكل واحد وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، ولذلك أسباب دينية وأسباب طبيعية وأسباب عملية ولا يمكن اجتماعها كلها للمؤمنين.
الله يستر
الله يستر بعد لا يصبح الكتاب الذين نتابع كتاباتهم عبر الصحف اليومية ايضاً مرضى نفسيين، لأننا لم نجد لهم اي كتابات عن هذه المشكلة التي زادت وكثرت، فقد ينضمون ايضا ولا يستطيعون الكتابة عنهم، وإلا اينكم أيها الكتاب الاعزاء هل لزمتم الصمت، لقد عجبت بما كتبه الاستاذ/ عبدالله بن بخيت - ابو يارا - عندما كان عنوان مقالته «احذر جارك مريض نفسي، وعقب عليه الزميل والصديق لجريدة الجزيرة من 15 عاما/ عبدالرحمن المساوي وقال ايضا «احذر زميلك مريض نفسي» فهؤلاء تفاعلوا مع هذه القضية التي اصبحت مسئولية الجميع وكتبوا عنها، اما الباقون فما زالوا صامتين، وللمعلومية المريض النفسي دائما يميل الى الصمت حول مشكلته.
وختاما اعذروني
استميحكم عذرا بالاطالة وآمل ان تستمر الكتابات حول مرضانا النفسيين، واطبائنا النائمين، وأخصائينا الاجتماعيين، المسئولين امام الله عن هذه الفئة التي انضم اليها اعداد كبيرة ولا نعلم كم وصل عددهم حتى كتابة هذه المشاركة. ولكن انتظروا فالايام حبلى بهم، وصدمتهم تنزل علينا ساعة الخبر وبعدها تزول، وهكذا تستمر الامور حتى في النهاية يصبح كل شخص يشك بأقرب شخص له بأنه مريض نفسياً ويضيفه الى قائمتهم اذا بدرت منه تصرفات غريبة وتعجز عنهم المصحات النفسية التي عجزت عنهم وهم ما زالوا اعداداً قليلة فكيف لحالها الان معهم اذا ظهرت علينا تكنولوجيا حديثة وظهر معها مرضى نفسيون حديثون ايضا يختلفون عن مرضى الزمن الماضي فلا شك انهم قد يكونون اليفي الطبع ولا نستغربهم لكثرتهم.. ولكن نقول اعاننا الله على التعامل معهم وتولي مسئوليتهم نحن افراد المجتمع والمصحات النفسية تغلق والقائمون عليها يحالون الي التقاعد المبكر لعدم قدرتهم على هذه المسئولية.
وشكرا عزيزتي التي اصبحت ملتقى لكل من احتسب كتابته لوجه الله تعالى ولفائدة الجميع.
مناور صالح الجهني / الأرطاوية - الجزيرة
|