بالرغم من اعتبار بعض الباحثين نشوء علم الكلام ضرورة دعوية، لغرض الدفاع عن العقيدة والفكر الإسلامي، وخاصّة في البلاد المفتوحة، حيث واجه دعاة الإسلام أقواماً يحملون عقائد مختلفة، ولهم علماؤهم الذين كانوا على قدرة عالية في الجدل والمناظرة دفاعاً عن أفكارهم وعقائدهم إلا أنّ عامة علماء السنة لم يكونوا مطمئنين إلى هذا المنحنى الدخيل على الفكر الإسلامي الذي يعتمد على النصوص الصريحة الواضحة وفهم السلف من الصحابة والتابعين لها.
وعن محاسن ما يُنعت به أهل العلم، تركهم الخوض في علم الكلام، فقد قال الإمام أحمد بن حنبل عن الحافظ محمد بن أبي عتاب الحسن البغدادي: «أرني لأغبطه، مات وما يعرف إلا الحديث، ولم يكن صاحب كلام».
وفي هذا الموطن يأتي تعليق الإمام الذهبي، ليبين المذهب المتبع عند أهل العلم من سلف الأمة، بل وعد من كان على غير ذلك من المتنطعين فقال: «هكذا كان أئمة السلف، لا يرون الدخول في الكلام، ولا الجدال، بل يستفرغون وسعهم في الكتاب والسنة، والتفقه فيهما، ويتبعون، ولا يتنطعون».
وعن حديث الدار قطني عن نفسه، قوله: «ما شيء أبغض إليّ من علم الكلام» علق الإمام الذهبي قائلاً: «لم يدخل الرجل أبداً في علم الكلام ولا الجدال، ولا خاض في ذلك، بل كان سلفياً».
كما وأثنى الإمام الذهبي على عبدالله بن أبي زيد القيرواني المالكي، بسبب تجنبه الدخول في علم الكلام، وفي ذلك قال: «كان رحمه الله على طريقة السلف في الأصول، لا يدري الكلام، ولا يتأول، فنسأل الله التوفيق».
وتظهر من تعليقات الإمام الذهبي أهمية البدء بالأولويات، واستغلال الوقت فيما هو نافع، من غير تشاغل بما ليس فيه نفع، بل قد يكون مما يلبس على المرء أمر اعتقاده، فكان الحث على تجنب الخوض في علم الكلام، لما في هذا الاتجاه من ربك للعقيدة، وتكلف في وسائل الدفاع عن العقيدة الإسلامية، حيث أنها «أي العقيدة الإسلامية» بطبيعتها واضحة جلية، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
| 
