على مشارف نهاية الطفولة كنا نقرأ مجلات اطفال كثيرة تأتي في صورة مجلدات، كل ثمانية او تسعة او عشرة اعداد تأتي مع بعضها في مجلد واحد، كانت حالة تثقيف مميزة في عالم يخلو من الثقافة، اعتقد انها نفسها حكايات دزني التي نشاهدها اليوم في التلفزيون، كانت تلك المجلات مليئة بالمصطلحات والعبارات المترجمة عن الانجليزية لغة النص الاصلية، لم نكن نفهم تلك المصطلحات، كانت معانيها تتأرجح في داخل الكلمات كبندول الساعة الحائطية، كاتم صوت، وغابة محمية الخ، ومن بين تلك الكلمات كلمة «تاجر حرب»، لم افهم ما الذي تعنيه تاجر حرب ولم اجد في ذلك الزمان من يشرح لي معنى تلك الكلمة حتى مدرس اللغة العربية المثقف، قلبتها في دماغي، حاولت ان اجد رابطاً بين الحرب وبين التجارة ولكني لم اصل الى دلالة و اضحة حتى بعد ان كبرت واصبحت راشدا.
راحت السنوات الى ان جاءت حرب الخليج الاولى وسمعت ان هناك اناساً كثيرين اثروا من الحرب، فقفزت تلك الكلمة الى وعيي، وبدأت اقترب من دلالاتها، فربطتها بكتاب قرأته في السبعينيات او الثمانينيات بعنوان «فئران الانابيب»، يتحدث مؤلفه عن رجال وظيفتهم تأمين الوسائل اللازمة لرجال آخرين يرغبون في قتل بعضهم بعض، فالتجارة لا تتوقف إذاً على تأمين الارزاق، وعلى تأمين السلع، وعلى تأمين الاحتياجات التي تقوم الى الحياة، هي كل شيء يأتي بالأرباح، بسهولة استطيع ان اتخيل رجلين يتفاصلان على كفن او على مساحة قبر، في حرب الخليج الثانية هناك من باع خياما ومن باع سيارات ومن باع اطعمة ومن باع ادوية، ستوكات مهملة وفاسدة وجدت من يشتريها بأعلى الأسعار.
مع طبول الحرب التي تقرعها واشنطن قرأت اول إعلان «تجارة حرب» في السوق المحلي في احدى الصحف، اعلان يحرج على كمامات ضد المواد الكيمائية والجرثومية، لا اعرف من هو صاحب هذا الاعلان، ولكنه تاجر حرب اصيل، لم يهتم كثيراً بتقارير بلكس والبرادعي التي تؤكد خلو العراق من اسلحة الدمار الشامل، فراح يناور على الخوف الفطري عند الناس، اكيد انه يعرف ان هذا دور الحكومة ممثلة في الدفاع المدني، فالناس لا تدفع ثمن الدفاع عن نفسها في الحرب لأن هذه مهمة الأجهزة المختلفة التي تصرف عليها بلايين الريالات في انتظار وقت مثل هذا.
استطيع ان اتخيل عدداً من السيناريوهات المحتملة لهذه الاجهزة، اولا انها كمامات صحيحة وجاهزة للعمل عند الحاجة، ثانياً هي كمامات صحيحة ولكنها غير جاهزة للعمل، تحتاج الى قطع غيار تحتاج الى بعض الاجهزة الله اعلم ما هي، ثالثاً هي كمامات صحيحة ولكنها من بقايا الحرب العالمية الثانية اي انها لا تستطيع التصدي لأسلحة اليوم، وفي كل الحالات فالتاجر في منجى من العقاب، إذا كانت صحيحة وتعمل كان ذلك هو المطلوب، اما اذا كانت تحتاج الى قطع معينة لكي تعمل فسيقول امام من يحاكمه ان هذه الكمامات تباع بدون تلك القطع، اما اذا كانت من بقايا الحرب العالمية الثانية ولا تستطيع ان تتصدى لأسلحة اليوم ففي هذه الحالة فإن كل خصومه سيكونون موتى ولن يجد بالتالي من يقاضيه. انها الحرب يا عزيزي.
فاكس 4702164
|