* تقرير - طارق عبدالغفار - نيويورك - أ.ش.أ:
دعونا ننتظر النتائج شعار يرفعه رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي آلان جرينسبان في مواجهة القلق المتزايد في أوساط الأعمال الأمريكية بشأن التداعيات المتوقعة للحرب المحتملة بمنطقة الخليج العربي على الاقتصاد الأمريكي.
وتتزايد المخاوف في أوساط المؤسسات الاقتصادية الأمريكية من تفاقم المتاعب الاقتصادية بالولايات المتحدة حال اندلاع الحرب الأمريكية العراقية في ضوء المطالب المتزايدة بشأن ضرورة تحرك الاحتياطي الفيدرالي بسرعة لتجنب التداعيات الخطيرة التي قد تنجم عن استمرار الحرب لفترة طويلة.
وتجد الدعوات المتزايدة بضرورة خفض الفائدة صدى إيجابيا لدى عدد من المؤسسات الاقتصادية والبحثية الأمريكية رغم اعلان عدد من المسئولين بالاحتياطي الفيدرالي ان القرار الذي سوف يتخذه الاحتياطي الفيدرالي خلال اجتماعه المقرر عقده في الثامن عشر من مارس الحالي سوف يتوقف على التطورات السياسية والاقتصادية ولاسيما الحرب المحتملة في الخليج واستمرار التراجع في معدلات الانفاق الاستهلاكي وارتفاع أسعار النفط بالأسواق العالمية.
وقال ايتان هاريس رئيس ليمان برازرز ان تداعيات الأزمة العراقية سوف تحدد الاولويات التي سوف يأخذها الاحتياطي الفيدرالي في اعتباره عند اتخاذ قراره بشأن الفائدة مشيرا الى أن احتمالات خفض الفائدة خلال الاجتماع القادم للاحتياطي الفيدرالي ليست كبيرة.
وتوقع رئيس مؤسسة ليمان براذرز ان الاحتياطي الفيدرالي تخفيض الفائدة خلال النصف الأول من العام الحالي خلال الاجتماعين القادمين للاحتياطي الفيدرالي والمقرر عقدهما في السادس من مايو والرابع والعشرين من يونيو من العام الحالي. وأكد ايتان هاريس ان احتمالات خفض الفائدة خلال النصف الأول من العام الحالي سوف تكون قوية حتى في حالة نجاح الولايات المتحدة في حسم الحرب المحتملة مع العراق لأن الاقتصاد الأمريكي مستمر في فقد القوى الدافعة للنمو. وتوقع استمرار تراجع معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي خلال النصف الأول من العام الحالي. ومن ناحية أخرى يبدي عدد من الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين مخاوفهم من التداعيات المحتملة لتجاهل الاحتياطي الفيدرالي للمتاعب والأخطار التي تحدق بالاقتصاد الأمريكي حاليا حتى قبل اندلاع الحرب المحتملة بالخليج العربي. وأوضح الخبراء الاقتصاديون ان الأخطار التي تحيط بالاقتصاد الأمريكي تنحصر في جوانب عديدة أولها ارتفاع أسعار النفط بصورة ملحوظة بالأسواق العالمية وهو ما يؤدي الى انخفاض أرباح الشركات الأمريكية وتقلص معدلات الانفاق الاستهلاكي.
وثاني هذه الجوانب انخفاض مؤشر ثقة المستهلكين الذي يسجل حاليا أدنى مستوى له منذ عام 1993. وقال روري توبلن الخبير الاقتصادي بمؤسسة جي بي مورجانان مؤسسات الأعمال الدولية تفضل انهاء حالة الترقب والحذر الحالية بشأن الحرب المتوقعة في منطقة الخليج موضحا أن متخذي القرار بالدول الكبرى يفضلون إلقاءاللوم على حالة الترقب والحذر بشأن التباطؤ الاقتصادي الحالي. وأضاف روري تابلن أن حالة الحذر والترقب الحالية بشأن الحرب المحتملة بالخليج تضع متخذي القرار بالدول الكبرى أمام صعوبات عديدة تتعلق بجانبين على قدر كبير من الأهمية.. الأولى تتعلق بحيرة السياسيين في الدول الكبرى بشأن الإجراءات الواجب اتباعها للتعامل مع ذلك الوضع المتوتر والثانية تتعلق بالاجراءات الاقتصادية الواجب اتباعها في أعقاب الحرب المحتملة لتدعيم مؤشرات النمو العالمي.
ثالثا معدلات البطالة المرتفعة والناتجة عن حالة الترقب والحذر الحالية وغياب أي مؤشرات بشأن زيادة إنفاق الشركات الأمريكية لإيجاد المزيد من فرص التوظيف بل على العكس من ذلك تتزايد احتمالات استغناء عدد من الشركات عن العمال لخفض النفقات واحتواء الخسائر.
رابعا تراجع معدل نمو الناتج الصناعي نتيجة انخفاض معدلات الانفاق الاستهلاكي.
وتشير توقعات عدد من المؤسسات البحثية الأمريكية الى أن الناتج الصناعي سوف يشهد مزيدا من التراجع خلال الاشهر القليلة القادمة.
خامسا تذبذب أسعار الأسهم بالبورصات الأمريكية نتيجة لحالة القلق والترقب الحالية والمخاوف من الحرب المحتملة. وقال افيري شينفلد كبير الخبراء الاقتصاديين بمؤسسة سي أي بي سي ان احتمالات خفض الفائدة تتزايد نظرا للصعوبات الاقتصادية الحالية ومعدلات التضخم المنخفضة. وتوقع شينفلد أن تمارس الأسواق المالية ضغوطا خلال الفترة القادمة لدفع الاحتياطي الفيدرالي الى خفض الفائدة. وترى شركات أوروبية وأمريكية ويابانية أن التوتر الحالي بمنطقة الخليج يعرقل تدفق الاستثمارات وتضر بالمنافسة الحرة في العديد من الأسواق الدولية مشيرة الى أن انتصار الولايات المتحدة السريع في الحرب المحتملة سوف تعيدالاستقرار في السوق العالمية وتدعم نمو الناتج المحلي الاجمالي على المستوى الدولي.
وقال عدد من رؤساء الشركات الأمريكية الكبرى ان الحرب السريعة سوف تضر بالاستثمارات العالمية على المدى القصير مشيرين الى أن الاستثمارات قصيرة المدى تأثرت بشدة نتيجة الوضع المتوتر بالمنطقة وانقسام الدول الكبرى الى فريق مؤيد لضرب العراق وآخر معارض لها. وأوضح ممثلو 180 شركة من الشركات متعددة الجنسيات «خلال اجتماع عقد في نهاية الشهر الماضي في فلوريدا» أن نجاح الولايات المتحدة في استصدار قرار من مجلس الأمن يخول لها استخدام القوة ضد العراق نتيجة عدم اذعانه لقرار مجلس الأمن الدولي سوف يسهم في اعادة الاستقرار لبيئة الأعمال بالولايات المتحدة والعالم.
وأكد ممثلو الشركات الأمريكية ان استمرار حالة الترقب الحالية دون تحديد موقف واضح تجاه الحرب سوف يقوض مؤشرات النمو المتوقع في النصف الثاني من عام 2003. وقال خبراء نفط أمريكيون: إن إرتفاع أسعارالنفط لأكثر من 35 دولارا يعكس الحاجة الماسة الى وجود شبكة أمان في مواجهة أزمات الطاقة المستقبلية.
وأوضحت آمي مايرز خبيرة شئون النفط بمعهد جيمس بيكر للشئون العامة أن الوضع السائد في سوق النفط أسوأ من الوضع الذي كان سائدا ابان حرب تحريرالكويت عام 1991 .. مشيرة الى أن المملكة العربية السعودية وايران ضختا حوالي 110ملايين برميل من النفط خلال الأسبوع الأول لغزو العراق للكويت في أغسطس 1990. وأضافت مايرزأن الدول الصناعية الكبرى سوف تضطر للجوء الى الاحتياطي الاستراتيجى لمواجهة أي أزمة محتملة في إمدادات النفط حال اندلاع الحرب بمنطقة الخليج. وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة «التي تسيطر على الاحتياطيات النفطية الاستراتيجية بالدول الصناعية» أن الاحتياطي النفطي الاستراتيجي بالدول الصناعية يكفي لمواجهة أزمة تعدل في حجمها تداعيات الثورة الاسلامية الايرانية عام 1978 /1979. ويتوقع المحللون الغربيون بموافقة الوكالة الدولية للطاقة على ضخ كميات تتراوح ما بين مليون الى مليوني برميل يوميا من المخزون النفطي حال اندلاع الحرب بمنطقة الخليج. ويشير خبراء النفط الأمريكيون الى أن الزيادة في أسعارالنفط يمكن احتواؤها في حالة تمكن الولايات المتحدة من حسم الحرب بسرعة ومنع الرئيس العراقي من تدمير آبارالنفط ولاسيما في ظل انخفاض الطلب على النفط نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.وتوقع جورج برانيك خبيرالنفط بمؤسسة «بي أف سي» للطاقة «التي تتخذ من واشنطن مقرا لها» انخفاض أسعارالنفط الى 20 دولارا في حالة انتهاء الحرب العراقية بسرعة وطرح كمية كبيرة من الاحتياطي الاستراتيجي وعودة العراق الى سوق النفط العالمي.
إلا أنه أشارالى أن أسعارالنفط سوف تشهد ارتفاعا كبيرا في حالة استمرار الحرب بالخليج لفترة طويلة أو امتدادها لدول مجاورة.
وترى مؤسسات دولية ان ارتفاع أسعار النفط ليست السبب الرئيسي وراء التباطؤ الاقتصادي العالمي حيث يشير صندوق النقد الدولي الى أن ارتفاع اسعارالنفط عن المعدلات الطبيعية بنحو 10 دولارات يخفض نمو الناتج المحلي الاجمالي بالولايات المتحدة بنحو 3 ،0 في المائة نقطة والنمو العالمي بنحو 5 ،0 في المائة نقطة فقط.
وفي السياق نفسه قال وزير الخزانة الأمريكي جون سنو «في اعقاب اجتماعات مجموعة السبع الصناعية الكبرى» ان الطلب الحالي على النفط بالدول الكبرى أقل بكثير من معدل الطلب الذي كان سائدا خلال حرب تحرير الكويت عام 1991. ويوضح خبراء بصندوق النقد الدولي ان ارتفاع أسعار النفط يمكن ان تؤثر بصورة ملحوظة على نمو الناتج المحلي الاجمالي بالدول الكبرى في حالة تزامنه مع ارتفاع معدل التضخم ومعدل فائدة مرتفع لفترة طويلة.
وأشار آلان بيتي ان القول: إن الرئيس العراقي صدام حسين يقف بمفرده حجر عثرة أمام زيادة النمو العالمي يعتبر أمرا مبالغا فيه.
وفي المقابل يرى افيناش بيرسود كبير الاقتصاديين بمؤسسة ستيت ستريت ان الأسواق تعكس تداعيات حالة القلق والترقب الحالية بشأن الحرب المحتملة بالخليج.
وأوضح خبراء اقتصاديون أمريكيون: ان أسعار الأسهم بالبورصات الأمريكية والأوروبية تتأثر حاليا بتداعيات حالة الترقب والحذر الحالية حيث تتذبذب أسعار الأسهم صعودا وارتفاعا في ضوء التصريحات التي يدلي بها المسئولون الأمريكيون وكبير مفتشي الأسلحة الدوليين هانز بليكس التي تعكس التطورات على الساحة العراقية. ومن جانبه أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي آلان جرينسبان ان الاقتصاد الأمريكي يمكنه استعادة معدلات النمو حال انتهاء الأخطار التي تواجهها الولايات المتحدة.
إلا ان خبراء اقتصاد أمريكيين يرون ان الاقتصاد الأمريكي شهد تباطؤا ملحوظا خلال عام 2001 ولم تكن الأخطار السياسية هي السبب في ذلك حيث ارتفع معدل البطالة وتزايدت خسائر عدد كبير من الشركات العاملة في قطاعات الطيران والسياحة والتكنولوجيا.
وأشار الخبراء الاقتصاديون الى أن العوامل الداخلية لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن فرص نمو الاقتصاد الأمريكي بعد الاطاحة بالرئيس صدام حسين وانتهاء حالة الترقب والحذر الحالية مشيرين الى ان تحقيق معدلات نمو ملحوظة تتوقف أيضا على زيادة معدل الانفاق الاستهلاكي وخفض معدل البطالة. وأكدوا أن نمو القطاع الصناعي بصورة قوية يستلزم زيادة معدل الطلب على المنتجات الصناعية بالسوق الأمريكي ولكن تحقيق ذلك الهدف يستغرق اشهراعديدة حتى في حالة الإطاحة بالرئيس العراقي وإنهاء الحرب بسرعة.
|