بالرغم من قرار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات تأكيده على تعيين رئيس وزراء للسلطة الوطنية الفلسطينية وعزمها على اجراء اصلاحات شاملة في اجهزتها المختلفة، الا ان اسرائيل ومعها الولايات المتحدة الاميركية مازالتا تصران على ابعاد الرئيس الفلسطيني عن موقع القرار خاصة بعد العملية الاستشهادية التي ادت إلى مقتل خمسة عشر اسرائيلياً بالرغم من انه منتخب من قبل سبعة ملايين ونصف المليون فلسطيني، الامر الذي يؤكد ان اسرائيل لاترغب في اقامة الدولة الفلسطينية او تحقيق السلام في المنطقة جراء استمرار اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني وابادة الكثير منه بدم بارد بدعم من الولايات المتحدة الاميركية.
واذا كانت السلطة الفلسطينية قد اوضحت بجلاء في اكثر من مناسبة استعدادها لاجراء انتخابات تشريعية في المدن والقرى الفلسطينية التي لم تجر مثل هذه الانتخابات منذ عام 1996، الا ان اسرائيل تواصل اعمالها من اجل رفض اجراء هذه الانتخابات وتبنت موقفاً لبعض الشخصيات الفلسطينية التي وقعت عام 2000 على بيان العشرين الذي يدين للاسف السلطة الفلسطينية ويطالب بابعاد ومحاكمة المتهمين بالفساد في سلطة الحكم الذاتي.. هذه الفئة للاسف صاغت بيانها بدعم من المسؤولين الاميركيين وطالب اعضاؤها بإحداث اصلاحات حقيقية في اجهزة السلطة بحيث تشمل مختلف العناصر والطوائف.
ووثيقة الاصلاح يقرها كل الفلسطينيين اذا كانت نابعة من قضاياهم وشؤونهم وشجونهم.. لا ان تعتمد على قوى اجنبية من اجل تحقيق اهداف معينة لا تتصل بالمواقف القومية للشعب الفلسطيني.
والواقع ان سيطرة الليكود على الانتخابات النيابية بارتفاع مقاعدها من 19 إلى 37 عضواً بالاضافة إلى تعيين شارون لحكومة يمينية متطرفة من شأنها ان تزيد من سطوتها على الفلسطينيين ورفض أي اتفاق للسلام، خاصة ان الفلسطينيين كانوا يتوقعون فوز حزب العمل في الانتخابات النيابية، غير انهم فوجئوا بالسقوط الذريع لهذا الحزب بالانتخابات الذي لم يحصل الا على 19 مقعداً فقط.. وهذه الخسارة لم تلحق بحزب العمل وحده ضمن اليسار الفلسطيني بل ان يوسي سريد زعيم حركة ميرتس اليسارية وجد نفسه مضطرا للاستقالة بعد ان هبط عدد المقاعد التي بحوزة حزبه من 10 مقاعد إلى ستة، وهي الاستقالة التي تصبح بمفردها دليلا على انهيار ما يسمى بمعسكر السلام الاسرائيلي بعد ان حصل حزب شينوي العلماني الاشكنازي والمعادي للمتطرفين اليهود على 15 مقعدا فيما الاحزاب العربية لم تخسر الا مقعدا واحدا لينخفض عدد مقاعدها من 10 إلى 9 فقط وهي نسب لا تتفق مع كون عرب فلسطين يشكلون بمفردهم خمس السكان.
وهذه التراجعات بالتوقعات الفلسطينية تشير إلى ان السلطة الوطنية الفلسطينية باصلاحاتها المرتقبة ستجد نفسها في كل الاحوال بمواجهة شارون.. وهذا بالطبع يثير الاحباط لدى الشعب الفلسطيني الذي يؤكد ان عودة شارون إلى سدة الحكم يمثل في هذه المرحلة الحساسة تحديا جديدا للعالم العربي.. الامر الذي يفرض عليه التخلص من خلافاته ويستعيد وحدته اكثر من أي وقت مضى للضغط على دول العالم الاخرى المنشغلة في قضية العراق التي تتناسى ما تقوم به اسرائيل من قتل وابادة وتشريد وهدم منازل الفلسطينيين.
فالدول العربية التي تستعد لعقد القمة العربية مطالبة بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين بكل موضوعية وواقعية واعتماد المرجعيات المطروحة حالياً لاعادة استئناف عملية السلام، مع السعي لاعادة هيكلة السلطة واجراء الانتخابات الفلسطينية واتخاذ الاجراءات اللازمة لضمان الشفافية فيما يتعلق بالنواحي المالية واوجه الانفاق للمنح والمعونات التي تقدمها الدول المانحة لصالح الفلسطينيين لتثبت السلطة انها لم تتلاعب في اية اموال تردها من اوروبا وغيرها كما تدعي اميركا واسرائيل.
فإذا كانت الاصلاحات الفلسطينية تجري وفق خطة جادة ومتطورة، فإن الدول العربية والاوروبية مطالبة في هذه المرحلة بالذات بدعم الفلسطينيين في توجهاتهم القومية وألا يجعلوا من الفلسطينيين في هذه المرحلة وقودا للامة العربية عبر سطوة شارون ووزير دفاعه موفاز وحكومته المتوقع تشكيلها خلال ايام التي ستكون سندا لايقاع اقسى الضرر ضد الفلسطينيين لاسيما ان شارون اثبت وبشكل جلي تجاهل النداءات الدولية بالعودة للمفاوضات وسيواصل جرائمه ضد الشعب الفلسطيني حتى تحين ساعة السقوط كما حدث لباراك الذي لم يشفع له تاريخه العسكري الاسود وكل جرائم الحرب التي ارتكبها ضد العرب كشارون السفاح- في ان يرمي به الشارع الاسرائيلي في غياهب النسيان.
|