ونحن نقترب من الحرب في العراق، هل يستطيع أي شخص أن يفهم ما تفعله إدارة بوش؟ يبدو، اننا نندفع نحو حرب غالية الثمن ستجعل من أمريكا أقل أمنا.
هل أفسح المنطق والعقل الطريق للعاطفة المجنونة حتى قبل نزول ضباب الحرب؟ تركل كوريا الشمالية المفتشين الدوليين خارج أرضها، وتدير محطاتها النووية وتبدأ في التلويح بالأسلحة النووية، يطلق النظام -الذي يملك صواريخ تستطيع الوصول لأجزاء من الولايات المتحدة- أحد صواريخه في بحر اليابان، ويضع جنوده في حالة تأهب ويعد بمحو سول عاصمة كوريا الجنوبية من الوجود متى قامت الولايات المتحدة بهجوم.
يقول الرئيس بوش إنه لا توجد مشكلة، ويقول وزير الخارجية كولين باول إن الأمر لا يمثل أزمة، سوف يعبر الرئيس عن امتعاضه عن طريق إرسال مساعدات غذائية أقل حجما مما كان في السابق، ماذا بعد؟
منح العراق تسهيلات غير منقوصة لمفتشي الأمم المتحدة، حتى للوصول إلى قصور صدام، جرى، ويجري، تفتيش المواقع المشبوهة التي وجهت إليها الولايات المتحدة أصابع الاتهام، يقوم صدام، الذي لا يمتلك صواريخ تستطيع بلوغ الولايات المتحدة، بتردد وبتأن ودون رغبة بتدمير الصواريخ التي تتجاوز بأميال قليلة مدى التسعين ميلا الذي حددته الأمم المتحدة.
إن صدام، بالكبرياء المدمر لصاحبه، أقل من متعاون، غير أن الولايات المتحدة وبريطانيا تحتلان ثلثي العراق، وتقصفان ما تشاءان من مواقع، تتواصل العقوبات ضد العراق، يتفق الجميع على أن قدرات العراق العسكرية أقل بكثير مما كان يتوفر له قبل عقد من الزمان.
تستطيع الإدارة أن تزعم فقط أن صدام قد يمنح أسلحة للقاعدة، غير أن صدام العلماني على خلاف ايدلوجي مع تنظيم القاعدة ، وتقول تقارير وكالة الاستخبارات المركزية (سي، آي، إيه،) إنه قد يعطيهم أسلحة كيماوية أو بيولوجية في حالة غزو أمريكي لبلاده ، كعمل انتقامي أخير، مع ذلك، يقول الرئيس بوش، إن العراق مثل تهديديا لا يمكن قبوله، ولذلك فإنه يستعد لخوض حرب مدعوما من قبل رئيس الوزراء بريطانيا (لا الشعب البريطاني)، واسبانيا وبلغاريا، ماذا بعد؟
إننا ننفق 18 بليون دولار كل عام في أفغانستان، حيث عاد أباطرة الحرب إلى سابق عهدهم وحيث يتجه العنف الإرهابي للنمو، كم سيكلف احتلال العراق، حيث بدأت الحرب الأهلية فيه بالفعل، وحيث اقتطعت دولتان جارتان بالفعل مساحات لمصلحتهما، والرئيس بوش يقول بأننا ننوي إنشاء ديمقراطية جديدة؟
تقول ميزانية الإدارة سيكون هناك عجز مالي في السنة القادمة قدره 300 بليون دولار، بدون حساب الحرب في العراق وأفغانستان، تقوم الولايات والمحليات باقتطاع ميزانيات المدارس، وإغلاق عيادات الرعاية الصحية، ورفع قيمة رسوم الدراسة الجامعية، إن قليلين جدا يمكن لهم أن يجادلوا في شأن كلفة الحرب لو أن بلادنا واجهت تهديدا فوريا، لكن لماذا نشن حربا ذات كلفة عالية ضد عدو جرى إضعافه ويخضع بالفعل تحت الاحتلال الجوي والتفتيش الدولي؟
في الاسبوع الماضي، استقال دبلوماسي كبير مخضرم، هو جي، برادي كيسلينغ، بسبب«السعي المحموم لحرب على العراق» من قبل واشنطن، تضمن خطاب استقالته تحذيرالباول من أن سياسات بوش «تقودنا باتجاه التفريط في الشرعية الدولية التي ظلت السلاح الأكثر فاعلية بالنسبة لأمريكا» خلال القرن الماضي.
إن كيسلينغ، الذي تولى مناصب عدة على امتداد الشرق الأوسط وجنوب اوروبا، يعبر تماما وعلانية عما يقول به حجافل الدبلوماسيين وخبراء الأمن القومي والقادة العسكريون: إنهم يعتقدون بأن الدفع باتجاه الحرب ينال من مصداقية الولايات المتحدة وحسن نواياها، حتى في أوساط أقرب حلفائنا، إنهم يرون أن التكاليف والمخاطر أكبر بكثير من التهديد والمصالح المتوقعة.
وكما اعترف به حتى باول في الاسبوع الماضي، فإن الحرب في العراق وما يليه من احتلال ستغذي فقط الكراهية لأمريكا في أوساط بليون مسلم على امتداد العالم،إن قدرا أكبر من العنف، وأمدا أطول من الإحتلال، والمزيد من التجنيد لصالح القاعدة، يعني إمكانية وقوع المزيد من الهجمات الإرهابية.
قدم الرئيس وعدا بأن الانتصار في العراق سيمهد الطريق للسلام في الشرق الأوسط، وذلك قول لا يلقي سوى دعم قلة من الخبراء، غير أن السؤال الحقيقي هو: هل ستمهد الحرب والاحتلال الطريق لتحقيق الأمن في الولايات المتحدة؟
ما يتجلى على نحو متزايد هو أننا بصدد إنفاق 100 بليون دولار على حرب ستقود إلى أن يصبح مواطنو الولايات المتحدة في الداخل والخارج أكثر هدفا للإرهاب.
يوضح البيت الأبيض لمجلس الأمن الدولي، عن طريق نشر اكثر من 200 ألف جندي في المنطقة وإكمال خطط الحرب ووضع الطائرات القاذفة في قواعد انطلاقها، أن الحرب حتمية، ربما تكون الحرب حتمية، غير أنها ليست منطقية، لقد اتجهت الإدارةإلى «حرب اختيار» لا أحد سيختار فيها.
(*) داعية سلام إمريكي ومرشح رئاسي سابقاً
عن «شيكاغو تريبيون» خدمة الجزيرة الصحفية
|