|
| ||||||||||||||||||||||
الروح حين تبوح تصمت العاطفة الجسدية أمامها لتستمع.. الانسان دون روح مجرد جثة هامدة لا حراك فيها.. المشاعر روح.. الخواطر روح.. الحياة روح تبوح بأسرارها دون كلفة.. ودون تكلفة.. لأنها وجود الكائن الحي.. ببوحها تزاح الصور.. وتنزاح الهموم المثقلة عن كواهلها دون تراكم..
لك الحق ان تشهر جراحك.. وان تتساءل عن سلاحك الصامت.. وان تقرع ناقوس الضياع والهزيمة في زمن تسوده السباع الناطقة المليئة بحقدها. وعدوانيتها لكل ما هو مسلم وعربي ومستضعف.. مشاهد شاعرنا سوداوية كلون الليل ووحشته.. فلا الماء ماء.. انه سراب بقيعة لا يقتل الظمأ.. والمساء الداكن كألف مساء في طوله وثقله يزدري كل صباح حتى لا يكاد يتيح له فرصة الاطلالة.. ولأن بوحه تغرقه الأماني حتى لو كانت مثقلة بقيوده وواقعه فإنه يغالب جراحه:
نعم ليس قبل الكفاح أمان.. (ولا عزة لانسان داخل وطنه.. ولا كرامة له خارج ذلك الوطن..) ولأن الحب الكبير بوح لا يفتأ التعبير عن نفسه حتى في أشد حالات الاحباط والاسقاط فإنه يختتم قصيدته المعبرة بهذا البيت الايقاعي الجميل:
(ألا في شطره الأول يحسن أن تكون هكذا «أن لا» لأنها الأصوب.) «راية الحق» خضراء ترفرف.. وتهفهف.. وتستحوذ على مشاعر كل مسلم.. كيف لا وهي تحمل الشهادتين في إباء وشمم:
عقيدة ايمانية متجذرة في أعماقنا.. كل أعماقنا تدعو للعمل.. واليقظة.. والذود عن حياض الوطن تراثا.. وترابا. وانساناً.. دون هذا تبقى الراية عرضة لأعاصير الأعداء المتربصين بها.. وما أكثرهم في عصر تآكلت فيه القيم.. واستشرت فيه المادة بأطماعها وأوجاعها..
مفردة «طائعين» أنسب من «دارعين» وكلمة «درها» أفضل منها «ثديها».. هكذا اتصور.. وله مقطوعات حوارية مع الطير دون عنوان اقتطف منها هذا المقطع المليء بالايحاء: «أيها الطير ما سر اغترابك؟ ما خريف يتراءى في شبابك؟ هذه الأغصان ما أكثرها أولا تكفيك شيئا من عذابك؟» ربما استهوته الهجرة الى البعيد تأسياً بالعقول المهاجرة.. وربما أيضا الهروب من نذر حرب قادمة تأتي على الشجر، والحجر، والبشر.. انه طير يعشق الحياة دعه يرحل.. كثيرون من البشر الذين يعانون العذابات والصراعات والجوع يودون لو ان لهم أجنحة كالطير يحلقون بها ويهربون الى حيث النجاة بأرواحهم إلا أنهم لا يجدون.. وكما ضاق الطير بأشجاره، سئم شاعرنا من ليله الموغل في حصاره:
يتمنى شاعرنا العطوي النوم لعله يأتي بالقرار.. أبداً ياصديقي النوم لا يأتي بقرار.. ولا حتى بفرار.. وانما النهار الذي نفجره بالصحوة في دواخلنا دون انتظار مرده اليأس.. ومصدره الضعف.. أخيراً وضع اصبعه على الجرح النازف.. على الليل الذي طال مقامه دون فجر:
الأقصى يا شاعرنا سوف يستعصي على قيد الغاصب المحتل طال الزمن أم قصر رغم منحه هبة من لدن الكونجرس الأمريكي المتصهين كعاصمة للكيان الصهيوني.. القدس أكبر من مؤامراتهم ومؤتمراتهم.. الله جل شأنه يمهل ولا يهمل.. انه بيت الله.. وللبيت رب يحميه..وأمة اسلامية قد تكبوا زمنا.. إلا أنها تكبر زمناً آخر.. في مقطوعته.. مدريد.. يستعيد بذكراته ذكريات الأندلس.. يسترجع الانكفاء التاريخي في الماضي.. والانكفاء الوطني في الحاضر في مقارنة لا تخلو من صحة:
القدس هاهي.. والخليل تضاجعان بني يهود تترحمان على صلاح الدين» نعم بتمزقنا فقدنا الأندلس.. وبهواننا على أنفسنا وعلى غيرنا.. وتناحرنا فيما بيننا أخشى ان نفتقد ما تبقى من أرض فلسطين.. ليست فلسطين وحدها المستهدفة.. نحن كأمة مستهدفون نلتهم واحداً بعد الآخر ما لم نعتصم بحبل الله جميعاً ولا نتفرق..
«الهجين» مقطوعة رسم من خلالها لوحة مأساوية عاشها البوسنيون على أرض البلقان.. خطوطها حمراء، كالدم.. واطارها أسود كجهام الليل.. وابطالها صربيون قتله:
الشطر الثاني يتوكأ على عكاز.. ولكي يستقيم أمره على النحو التالي «ذلك الداعي لتمييز مهين».. ثم أين هي علامات الاستفهام؟! والتعجب! وفق تصور الشاعر.. مجموعة «أسئلة» منثورة آثرت تجاوزها.. هي في مستواها دون المستوى الذي أجاده شاعرنا في معظم قصائده.. ربما لاجازة في شاعريته غير جاهزة للتفاعل واستبطان الصور الجميلة التي عودنا عليها.. وربما أيضا لخروجه عن النص الشعري وما يوحي به من خيالات مجنحة ما كان له ان يخرج عنها.. وربما أيضا للمباشرة التي طغت على أسئلته وأفقدتها روح التماسك.. ومضامين الصور الذي حاول ان يرسمها دون الوان.. ودون أطياف موحية بجمالياتها.. وعن هموم الأمة.. بماذا يتحدث شاعرنا؟!
مفردة «خلف» جائزة.. إلا ان الأكثر توفيقا لو أنها جاءت إثر ظُلم.. لا يهم ان ترث مفردة اختها.. المهم لماذا توهان الأفكار. وحيرة القلم. والظلم المتراكمة المتعاقبة؟! ان يسردها في بلواه.. في الظلم المستشري بعالمه.. في استباحة الحق.. ومع هذا يخاطب باله ألا ينشغل بها!!.. كيف يا صديقي؟ بماذا ينشغل إذا؟ ألم يقرأ لشاعرنا العربي بيته المستفز تحدث أبا الهول هذا زمان تحدث ما فيه حتى الحجر.. وددت لو استأصل هذا البيت الانهزامي من قصيدته.. وترك لباقي أبياته ان تتحدث:
وتحقيق المجد العظيم واقع يتجاوز صفة الحلم.. انه محصلة درجات المعلم والعمل.. من هنا كان التوصيف الحلمي تراجعا عن طموح المواقع الفعلي الذي جسده التاريخ الاسلامي في عصره الذهبي.. لذا حسنا لو جاء شطره الأخير هكذا: «حققت مجدا عظيما لم يُضم».. أي لم يُضر.. ولم يهن.. شدني عن قصيدته هذا البيت العفوي الجميل:
ومع صغيره الذي لم يطعم الهموم بعد لصغره يبثه شكواه لمن يُعرِّفه بأثقال المستقبل وهمومه بعد ان يكبر مستوحياً تلك الصورة الجميلة لشاعر بدوي أخذه حلمه صغيرا.. وتخلى عنه كبيراً حين قال:
النجوم مضيئة.. والترهات معتمة.. الأفضل ان توصف بالوجوم لا بالنجوم لأنها ترهات جوفاء لا تكشف سماء.. هذه الهموم الراقدة في مضجع نومه لا تترك له فرصة راحة ولا استراحة:
حسنا أن تكون شمعة تكشف الدرب المعتم لصغيرك في الليل البهيم. وليس بالليل البهيم.. الليل لا يزرع فرحة وانما الشمعة التي تحترق من أجل اسعاد غيرها.. ومع هذا الحنو القلق تغالبه ذكريات طفولته.. يتمنى لو عاد طفلا كعادل لا يعرف عن واقعه شيئا:
أبداً لن تعود طفلاً.. ولن يبقى عادل طفلا.. سيكبر وسيدرك كما أدركت ان الحياة ليست نعيما بالمطلق. ولا جحيما بالمطلق.. انها المزيج من هذا وذاك..الغالب على شعر شاعرنا ذلك المسوح من الحزن. والرفض. والانتظار.. يريد ولا يدري كيف يصل الى ما يريد.. من هنا فإن خطوات مشاعره تبدو متقاطعة متزاحمة.. وأحيانا يلفها تيه الحلم فترتد داخل نفسها من جديد دون ان تقوى على مواجهة الموقف.. إلا أنها لا تستلم..
الشطر الأخير فيه شيء من الضعف في نقل الصورة التي حاول الشاعر رسمها.. ربما لو جاء هكذا لكان أكثر توفيقاً وتوثيقاً: «وتشدنا لعنائها بوثاق.. أي بقيد.. حتى في مقطوعته الوجدانية الغزلية هذه «لا تسألي» تجادله الحيرة بين المقبول والرفض لنصيبه.. أو لحبيبه.. يبقى متردداً على مضض.. لا متمرداً على ضعف الموقف كما يجب ان يكون.. لقد حمَّلها فيض دموعه. ونار حبه. ووجيب دلعه.. مذكراً إياها بالذي فات ومات دون رجعة:
من قال هذا يا صديقي.. ان سيرة الهجر علقم.. ومسيرة الصدود نار توقظ كرامة من لا يرضى بمهانة.. الحب ليس قبلة.. وانما قبول يتسامى عن مستوى النصر أوالهزيمة.. والا تحول الى سلعة.. «هل أنتِ عائدة»؟! يبدو أن شاعرنا في موقف ضعف ما زال يكابده أمام حبيبته الراحلة
كل هذا من جانب واحد لا يكفي.. أين هو الجانب الآخر؟ مسكين أي حب يأتي من طرف واحد فقط.. «عتاب في هدأة الليل» فصل من فصول المعاناة.. يبدأ بتساؤلات. وينتهي دون اجابات.. مجرد تهومات وتأوهات ينزع اليها الشعراء لحظة هزيمة تنتهي بنهاية هذا البيت من القصيدة.. «أغريته وتركته طفلا غريراً تائهاً.. يحبو اليك».. الحب الذي يحبو يخبو بريقه في لحظة.. وقصائد شاعرنا متخمة بجراحها.. فمن تأوهات الى آهات لا تكاد تتغير:
ماذا أبقيت يا شاعرنا من شكوى.. ان بوح روحك الذي أعطيته عنوانا لديوانك ليس بوحا.. وانما جرح نازف وعذابات متعاقبة.. وددت ولو مرة ان أسعد من خلال التطواف معك بلحظة عذبة تسعد بها أنت من خلال مسار مشاعرك الظامئة. الى حب الحياة.. والى حب من تحب.. حتى ولو كان حلما وهو أرخص الأشياء حتى ولو كان شعراً نسعد به معك:
هذه واحدة من بوح روحه. أي من جرح روحه.. أما الأخيرة فإنها تصب أيضا في نفس المجرى
هكذا اختار شاعرنا ان يكون رفيق ليل.. وإذا كانت شمعة الليل سوداء.. فإن صفة مشاعرنا شاعرنا العطوي بيضاء وجميلة.. ومعبرة.. مليئة بالصدق. الرياض ص.ب 23185 الرمز 11321
فاكس: 2053338
|
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |