وَهَجَ الحُبِّ لا تزدْني حَنينا
لا تزدْني فوق الأَنين أَنينا
أنا مازِلْتُ أَسْتَدِرُّ القوافي
وأُداري بهنَّ شوقاً دَفينا
لم أزل أستظلُّ بالصبر حتى
لا تراني عَيْنُ الحياةِ حزينا
لو رأى المعجبون بالشِّعر ناراً
أنضجتْ فَنَّه لَمَا عَذَلُونا
إنَّما الشعر لوحةٌ، لوَّنَتْها
يَدُ أحلامنا بما يُشجينا
هو منا، ونحنُ منه، ولكنْ
هو يُصْلَى بنا، كما يُصلينا
ومن الشعر ما يكون لهيباً
ومن الحبِّ ما يكون جنونا
وَهَجَ الحُبِّ لا تسلني فإني
في زمانٍ يُثير فينا الظنونا
في زمانٍ تخطَّفَتْه الدَّعاوى
وشكا من وسائل المرجفينا
لا تسلْني عن لُجَّةِ البحر لَّما
روَّع الموجُ في مَداهُ السَّفينا
لا تسلني عن حالِ قومي فإنا
قد مشينا في البِيدِ حتى حَفِيْنا
ورأينا السراب يسخر مِنَّا
ورأينا رَمْضاءَها تزدرينا
وَهَجَ الحُبِّ، لا تكرِّرْ سؤالاً
يُشعل القلب، يستثير الشُّجونا
حينما تُبصر التخاذُلَ منا
فستدري بأيِّ سَهْمٍ رُمينا
وستدري بأننا قَدْ تَعِبنا
وعَطِشْنا، والماءُ في أيدينا
وبأنا إلى الخضوع جنحنا
ووقَفْنا، وضَعْفُنا يَعترينا
كلُّنا في مدائن الصَّمْت صرنا
بانكساراتنا نُدير الشُّؤونا
وضَعُفْنَا، وُلاةَ أمرٍ، وجَيْشَاً
وشعوباً، ودائناً وَمِدينَا
وَهَجَ الحُبِّ، لا تَسَلْ عن ضعيفٍ
لا تَراه الأحداثُ إِلاَّ مَهينا
يُكْرمُ الذُّلَّ بالخضوع، ويَبْقى
بالمُروءات والإِباءِ ضَنينا
ضَعْفُنا، قُوَّةُ العدوِّ، ولولا
ضَعْفُ قومي، ما حالَفوا التِّنِّينا
وَهَجَ الحُبِّ، لا تَدَعْني وحيداً
حين أدعو مَنْ أَمرُهم يَعنينا
رُبَّ صوتٍ، يزيل عنَّا غباراً
ويجلِّي أحلامَنا، ويُرينا:
يا وُلاةَ الأمور فينا، سلامٌُ
يجعل القولَ بيننا موزونا
فالسلام السليم من كلِّ زورٍ
وادِّعاءٍ يؤمِّن الخائفينا
سامحونا، إِذا نسجنا القوافي
من شظايا آلامنا سامحونا
صبرتْ أُمَّتي عليكم زماناً
فجميلٌ لو أنَّكم تصبرونا
نحن والله، طيِّبون، لأنَّا
لو شرحتم صدروكم، لنسينا
اسمعوا ما نقول، فالحبُّ يَسري
في شرايين قولنا، اسمعونا:
ما منعنا أرضَ القداساتِ ممَّن
أَسْكنوا الرُّعْبَ غَزَّةً وجِنينا
ما حمينا أطفالَ حيفا ويافا
والثَّكالى مِنْ حولهم يَبْكينا
ما سمعنا صوتَ المساجد تَدْعو
أنْقِذُونا من قبل أنْ يَهْدمونا
كم رأينا قَتيلةً وقتيلاً
ما منعنا مِنْ قتلهم شارُونا
كيف نحمي العراق أرضاً وشعباً
دونَ صَفٍ موحَّدٍ يحتوينا؟
كيف نَسطيع صدَّ ذاتِ قرونٍ
زرعت رأَسَها العنيدَ قُرونا؟
كيف نلقى العِدَى برأيٍ هزيلٍ
ودروبٍ تَحيِّر السالكينا؟
اسمعونا فنحن نحمل حُبَّاً
لو فقدناه، لم نكنْ ناصحينا
لم تكونوا كما يُحبُّ التآخي
كان جسمُ الخلافِ جسماً بَدينَا
بين شرقٍ وبين غربٍ مكثتم
تَتْبَعُون العَنْقَاءَ والحَيْزُبَونَا
إنْ نسيتم بعضَ الذي كان منكم
فاسألوا حالَ أمتي واسألونا
يا وُلاةَ الأمورِ، إنَّا عرفنا
ما عرفتم، فكلُّنا عارِفُونا
أَوَ لَسْنا أهلاً نرى ما تَوارى
عن سوانا، ونعرف الأَقربينا؟
بعضُنا، باعَ نفسَه للأعادي
وجَفَا حينَ باعَها المسلمينا
أبعدَ المُصلحين عنه وأَدْنَى
كلَّ غاوٍ، وقرَّب الملحدينا
مدَّ كفَّيه للضلال، وأَغْضَى
طَرْفَ أخلاقه، وأَرْخَى الجبينا
وعصى ربَّه جهاراً نَهاراً
وتمادَى مكابراَ مُستهينا
وتجافى عن الكتاب، وأَلْغَى
بعضَ آياته، وغَشَّ المُتونا
صاغ من جهله كتاباً تراءَى
فيه إِبليسُ صاحباً وقَرينا
يَقْذِفُ الوَهْمَ للعقول، وَيُلْقي
رَحْلَه عند وَهْمِه مُستكينا
ظلَّ يَهذي عن التقدُّم جيلاً
بعد جيلٍ، ويدَّعيه سنينا
وانجلتْ ساحةُ الخداعِ لتُبدي
لضحايا الأَوهام ذئباً خَؤُونا
قد عرفنا معنى التقدُّم لمَّا
جاءَ بالحقِّ سيِّدُ المُرسلينا
عندنا راية العقيدةِ، فيها
كلماتٌ تزيدُنا تمكينا
إنَّها الشمس تنشُر النورَ حتى
يعجزَ الوَهْمُ أنْ يَغٌشَّ العيونا
ليس مَنْ يجعل الشريعةَ نَهْجاً
كالذي يجعل القوانينَ دينا
ما جَهِلْنا قَدْرَ الرِّجال، فإنا
قد عرفنا أَصيلَهم والهَجينا
يأولاةَ الأَمْرِ اسمعونا، فإنَّا
ما جَهلناكمو، ولم تَجْهَلُونا
لو رفعنا معاً شعارَ هُدانا
لجعلنا حَبْلَ التَّآخي متينا
قد رأيتم كما رأينا جميعاً
خُلْفَ أعدائنا بما وعدونا
ورأيتم كيف امتطوا كلَّ ظهرٍ
غيرَ ظَهْرِ الوفاء، مستأسدينا
ورأيتم كيف استداروا علينا
بقلوبٍ تأبى لنا أنْ تَلينا
جرَّدونا من الدُّروع، فلمَّا
جرَّدونا، بسهمهم صوَّبونا
كلُّ ما كانَ من دعاوى تَهاوى
وتلاشى ما كان يستهوينا
ووقفنا معاً أَمام الأعادي
وبنيرانهم جميعاً صُلينا
خندق واحدٌ كبيرٌ، وقفنا
فيه، نرجو الخلاصَ ممَّآ ابتُلينا
نحن كُنَّا، وما نزالُ، ولكنْ
غايةُ المعتدين ألاَّ نكونا
ياوُلاةَ الأمور، هيَّا أقيموا
من صَفاءِ القلوبِ حصناً حصينا
ارفعوا رايةَ العقيدةِ حتى
تُبصروا الفجر ضاحكاً مُستبينا
حينما تُصبح الحقائقُ شمساً
يشهد الفجرُ صحوةَ النَّآئمينا
لن تروا أَلْفَ خُطبةٍ وبيانٍ
دونَ فعلٍ، تَنيلُ ما تَطلبونا
هذه الأمة العظيمةُ عاشت
بخلافاتنا، أَسىً وفتونا
فامنحوها بعد التخاذُل عزماً
لترى فيكم القويَّ الأمينا
أمتي حينما تمدُّ يديها
نحونا لا تريد إلاَّ اليقينا
غايةُ الأمر عنَدها، وهي تدعو
أنْ ترانا أمجادُها صامدينا
هي تَشْتاق أنْ ترى الصدقَ منا
مُشْرقَاً كالضُّحى النَّقيِّ مُبينا
أمتي شيَّدتْ قِلاعاً وترجو
أنْ نُداري عنها العِدَى ونَصونا
يا قِلاعَ الأَمجادِ، إنَّا شُغِلْنا
بخلافات قومنا فاعْذرينا
واطمئنِّي، فإنَّنا سوف نأتي
بقلوب تأبى لنا أنْ نَهُونا
بين قومي وبين دَرْبِ المعالي
خَيْطُ وَهْمٍ، لو جاوَزوه كُفينَا
يا قِلاعَ الأمجادِ، بٌشْراكِ، إنَّا
قد مَدَدْنا إلى الصَّباحِ اليَمينا
إِنَّها رَجْعَةٌ إِلى اللّه تمحو
عارَ قومي، وتْرْشِدُ التَّائهينا