يقولون إنَّه زمن الرّواية، والأدباء الذين يقفون الآن في هذه المرحلة الحرجة من منعطف التأريخ في أحداث الإنسان على الأرض، يبدو أنَّهم بدأوا يثمنِّون أدوارهم ويتعرَّفون مواقعهم...، حين يتأكدون من أنَّ ما يُغفله التأريخ، وما يتغاضى عنه التَّدوين، وما يخبِّئه الزمن...، هم وحدهم من يستطيعون رصده، والمرور به من منافذه الضَّيقة، إلى سعة براح الفكر، بأساليبه الطَّيِّعة، وقدراته الباهرة.
زمن الرواية، أهو زمن الرواية؟
الرواية التأريخ، الرواية القص، الرواية الكشف، الرواية التفاصيل، رواية الانتقال الفني، العبقري، من الهمس للجهر، من الحرف للكلمة، من النَّبضة للحركة، من الحلم للواقع، من الواقع للمسرح الكبير الذي بمثل ما تتحرك فوقه الشخوص، وتتناطق عنه الأصوات، تنضج خلف أستاره الحقائق... وتُبنى القواعد، وتتفاعل الأحداث وتتبوتق الأفعال...، المسرح الذي لا تنزو عنه بارقة، ولا تهرب عنه مارقة، هو الديوان... ديوان الرواية...
ولكن...؟
من هو شفيف الحس، ثريُّ المفردة، غنيُّ الخيال، قويُّ الملَكة، هذا الذي سيملك وقته، وأعصابه، ويعتقل شاردته، وواردته، ويُفْرغ زمنه لزمن الرواية وأحداث الواقع، ويغوص في الطَّحالب المنبسطة، المفترشة لدرب الحقائق في هذا الزمن؟ ألا يفتح الأدباء القاصُّون منافذ بصائرهم، وحواسهم، ومسامَّ الادراك فيهم..، كي يجنِّحوا فوق أديم هذه الحقبة، ويطيروا نحو سماءاتها الصغيرة والكبيرة، ويتسلَّلوا في ثقوبها الضيَّقة والمظلمة، ويلتقطوا كلَّ ما يرفد رواية العصر...، كي يبقى الأدب إيواءً وديواناً للشهادة على منعطف الزمن في كافَّة تفاصيل خطوات الإنسان، وهو يرتدي جوارب، وقفازات، وأقنعة، يضلِّل بها السَّذجة ممنَّ يتصورون أنَّ هذا الزمن هو الأفضل والأنجح والأمثل في تأريخ الإنسان، حيث توفرت له سبل الرَّفاه والحياة المتطورة، بينما تدنَّى الإنسان، وتدنَّت مطالبه، وفتك بحلم الإنسان؟!... فكيف تنهض رواية العصر؟!
ومن سوف يكون سيِّدها؟!...
| 
