Sunday 9th march,2003 11119العدد الأحد 6 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

البرلمان مستعد لتمرير اتفاق جديد بعد إدخال بعض التعديلات البرلمان مستعد لتمرير اتفاق جديد بعد إدخال بعض التعديلات
هل تعود تركيا لحظيرة الحليف الأمريكي؟
90% من الشعب التركي يرفضون الحرب ويضعون الحكومة في مأزق سياسي

  * القاهرة مكتب الجزيرة علي البلهاسي:
ماذا بعد رفض البرلمان التركي السماح للقوات الامريكية باستخدام الاراضي التركية كقاعدة لشن هجوم على العراق؟.. الاجابة على هذا السؤال والتي تحددها الايام المقبلة تنتظرها بقلق بالغ ثلاث جهات بخلاف المجتمع الدولي والاطراف المعنية بالازمة العراقية وعلى رأس هذه الجهات الثلاث تأتي الولايات المتحدة التي يعني الرفض بالنسبة لها التخلي عن خطط فتح جبهة شمالية في حربها ضد العراق يعتقد المخططون العسكريون انها حيوية بالنسبة لهم وتقلل مدة اي حرب وتحد من الخسائر الامريكية فيها وهو ما يعني تحويل السفن الامريكية التي تنتظر قبالة الساحل التركي كاملة العتاد والامدادات والجنود جنوباً وادخال تعديلات جديدة على خطة الحرب على العراق.
بينما يحقق القرار في حالة الثبات عليه وعدم تغييره فيما بعد مكاسب كبيرة للغاية بالنسبة للجبهة الثانية بغداد والتي اشادت به معتبرة أنه ضربة قاصمة لخطط الغزو الامريكي للعراق بعد اغلاق الجبهة التركية امام القوات الامريكية وهو ما يعطي للعراقيين فاعلية وقدرة اكبر على مواجهة الغزو الامريكي المحتمل في جبهته الرئيسية من الجنوب.
الحشود العسكرية التركية على الحدود مع العراق
اما الحكومة التركية وهي الجبهة الثالثة فيضعها القرار في مأزق كبير على الصعيد الاقتصادي والسياسي في الداخل والخارج ويهدد بصفة اساسية العلاقات بين انقرة وواشنطن وباعتراف عبدالله جول رئيس الحكومة فان بلاده بعد قرار البرلمان تواجه فترة حرجة حيث يضع القرار حكومته في تصادم مع الولايات المتحدة ويزيد من مخاوف تركيا من تراجع دورها في تحديد مستقبل شمال العراق وقيام محتمل لدولة كردية قد تشعل النزعة الانفصالية في اراضيها ومن ناحية اخرى يعني القرار ان تخسر تركيا برنامج مساعدات امريكية يقدر بـ30 مليار دولار لتعزيز اقتصادها الذي يواجه ازمة حادة منذ سنوات.
ولعل هذا هو ما يدفع بالتساؤل عن سبب رفض البرلمان لانتشار القوات التركية رغم هذه الخسارة المحتملة لتركيا وماهي تداعيات القرار على صعيد انقره وواشنطن وهل يمكن ان يستمر هذا الرفض الى النهاية ام ان تركيا ستعود الى حظيرة الحليف الامريكي؟.
ثمن غير مناسب
كان من الواضح منذ بداية المفاوضات بين أنقره وواشنطن حول الموافقة التركية على نشر القوات الامريكية على اراضيها واستخدامها كقاعدة لشن هجوم على العراق ان الخلاف بين الجانبين يتعلق بالثمن المناسب الذي يجب ان تدفعه واشنطن لأنقره للموافقة على هذا القرار وكان الخلاف الظاهرة بين الجانبين في المفاوضات يتعلق بثلاث قضايا محددة تتعلق الاولى بالقواعد التي ستحكم وجود القوات الامريكية في تركيا والثانية في المساعدات الاقتصادية التي تتوقعها تركيا ثمنا لمشاركتها والثالثة تتمثل في التوصل الى مجموعة من القواعد لتحديد شكل العراق في مرحلة ما بعد الحرب ويعد هذا هو الجانب الاكثر حساسية لتركيا لقلقها من الاكراد الذين يسيطرون على اجزاء كبيرة من شمال العراق في ظل العداء بينهم وبين الحكومة التركية.
ولعل اهم العوائق امام توقيع الاتفاق كان مطالبة أنقرة لواشنطن بتقديم تعهد خطي بشأن الوعود الاقتصادية الخاصة بتعويض تركيا عن الخسائر المتوقعة نتيجة الحرب على العراق وهو الامر الذي رفضته الادارة الامريكية وقد عبر نائب رئيس الوزراء التركي محمد علي شاهين عن ذلك بقوله بان تركيا قد تعلمت من دروس الماضي وخطورة الاكتفاء بوعود امريكية لايتم الوفاء بها.
المعروف ان تركيا عانت من خسارات اقتصادية كبيرة اثر حرب الخليج الثانية نتيجة دعمها لواشنطن ويخشى كثير من الاتراك الآثار الاقتصادية المترتبة على شن حرب جديدة في الوقت الذي تمر فيه بلادهم بأسوأ أمة اقتصادية منذ عقود ولذلك فقد تركزت المحادثات بين أنقرة وواشنطن حول سبل تغطية الخسائر الاقتصادية المحتملة للحرب في حال وقوعها وركزت تركيا جهودها على الحصول على أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية هذه المرة ولذلك حدد رئيس الحكومة التركية عبدالله جول منذ البداية الخسائر التركية المحتملة في حالة الحرب بأنها ستتجاوز 125 مليون دولار وهو ما تطلب تركيا عنه تعويضا من واشنطن.
وكانت المقترحات التركية في هذا الاطار ان تحصل أنقرة على 10 مليارات دولار كمنحة مباشرة من وانطن و15 مليار دولار آجلة السداد بالاضافة الى اعفاء الديون ليصل جملة ما تطلبه تركيا الى 30 مليار دولار بينما عرضت واشنطن 5 مليارات دولار منحة و20 مليار دولار في شكل ضمانات قروض تتيح لتركيا الحصول على قروض من بنوك امريكية خاصة.
مأزق سياسي
ولم تكتف الولايات المتحدة برفض رفع سقف المساعدات الاقتصادية لتركيا عن خمسة مليارات دولار ولكنها اصرت على لسان وزير خارجيتها باول على الحصول على اذن البرلمان التركي على دخول الجنود الامريكيين المتراوح عددهم بين 40 الف 62 الف جندي الى الاراضي التركية قبل التوقيع على اتفاق المساعدات الاقتصادية الذي سيحال بعد ذلك الى الكونجرس الامريكي للمصادقة عليه في حين اصر الجانب التركي على توقيع الاتفاق اولا ليصبح حجة في يد الحكومة تستطيع من خلاله الضغط على البرلمان ليوافق على تقديم العون العسكري للحرب الامريكية على العراق مؤكداً ان الاصرار الامريكي على موافقة البرلمان يضع الحكومة التركية في مأزق خاصة في ظل معارضة 90% من الشعب التركي للحرب.
ولعل مازاد من مأزق الحكومة التركية المعارضة الكبيرة للحرب التي ظهرت في مجلس الامن وعلى صعيد المواقف الدولية والرأي العام العالمي وهو ما جعل الحكومة في اختيار بين رفض التعاون مع واشنطن وهو ما يعرض مصالح تركيا الاقتصادية وعلاقتها الاستراتيجية مع واشنطن للخطر او المغامرة بالتحالف مع امريكا متحدية بذلك الرأي العام العالمي والتركي الرافض للحرب وهو ما يعني خوض حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم في أزمة سياسية مع الدول الاخرى وفي الداخل تضاف الى جملة التحديات السياسية التي يواجهها منذ بداية توليه الحكم.ولتفادي هذا المأزق كانت الحكومة التركية تأمل منذ البداية في التوصل الى حل سلمي للأزمة العراقية يجنبها الوقوع في هذا الموقف الصعب وبذلت تركيا الكثير من المحاولات في هذا الاتجاه بدعوتها للاجتماع الاقليمي الذي تم في اسطنبول لحل الأزمة.
ولعل تزامن هذه المبادرة التركية مع المفاوضات مع واشنطن حول انتشار القوات الامريكية على الاراضي التركية عبر عن ازدواجية الدور التركي وتناقضه فهي تدعو الى حل سلمي للأزمة من جهة وتبحث مع امريكا التسهيلات الممكنه لاستخدام قواعدها للحرب من جهة ثانية ومن جهة ثالثة تريد نشر قواتها في شمال العراق وانتهاك اراضيه ومن جهة رابعة تطالب بحقوق تاريخية لها في حقل كركوك النفطي وبعض المناطق العراقية.
وهكذا وجدت الحكومة التركية نفسها محاصرة بمواقف دولية وتركية شعبية معارضة للحرب ومطالب امريكية شديدة اللهجة بضرورة التعاون في حين لاتملك الحكومة نفسها البت في اي مواقف او حسم اي قرار وكان المخرج الوحيد امام حكومة حزب العدالة والتنمية ان تربط مناقشة مسألة نشر القوات الامريكية على اراضيها بصدور قرار جديد من مجلس الامن يجيز التدخل العسكري ضد العراق حتى ترفع عن نفسها الحرج وتجد المبرر للمضي قدما وراء الحليف الامريكي.
مخاوف الدولة الكردية
بغض النظر عن المكاسب الاقتصادية التي قد تخسرها تركيا برفضها التعاون مع الولايات المتحدة او توتر العلاقات بينهما ازاء هذا الرفض فانه من الصعب ان يتوقف الدور التركي في الحرب ضد العراق على موقف المتفرج على تفجر الاحداث قرب حدودها مع العراق خاصة مع وجود مخاوف تركية من استغلال احزاب كردية عراقية للاحداث في اقامة دولة كردية وهو ما سيسعى وقتها تدخل عسكري تركي في شمال العراق الذي يوجد على ارضه اكثر من 5 الاف جندي تركي وتوسيع الحشد العسكري التركي في هذه المنطقة سيقودها الى التورط في حرب طويلة الامد فيها وذلك وفق تصريحات عبدالله جول رئيس الحكومة في مؤتمر صحفي في دافوس بسويسرا الذي قال ان بلاده قد ترسل قوات الى شمال العراق اذا رأت ان هناك مخاطر من تقسيم البلاد او تهديداً للأقلية التركمانية.
في حين يرى المراقبون والمحللون ان هذه المحاوف لا اساس لها خاصة مع ادراك الساسة الاتراك استحالة قيام هذه الدولة الكردية بسبب العوامل الجيوسياس ية المحيطة بكردستان في الوضع الراهن ومع تخلي القيادات الكردية عن فكرة اقامة الدولة الكردية والاكتفاء بشعار الفدرالية والديمقراطية والتعايش السلمي في ظل وحدة وطنية عراقية حقيقية تجمع سائر القوميات، ويدعم ذلك تأكيد الاكراد انفسهم اكثر من مرة انهم لايسعون الى الانفصال عن العراق وطمأنوا دول الجوار بعدم وجود مبرر لتسويق مخاوفهم من ذلك.
ويرى المراقبون ان الحشد العسكري التركي سواء في شمال العراق بحجة حماية ثلاثة ملايين تركماني يدينون بالولاء لأنقرة او على الحدود العراقية حول المخيمات التي اقامتها تركيا بزعم إيواء اللاجئين الاكراد المتدفقين على اراضيها، ويرى المراقبون ان وراء هذا الحشد الكبير من القوات نوايا خفية لا علاقة لها بالمخاوف من الدولة الكردية او تدفق اللاجئين وتتعلق هذه النوايا بالرغبة التركية في استعادة ولاية الموصل والمقتطعة منها والملحقة قسرا بالعراق وكذلك اقتسام كعكة النفط في كركوك التي تدخل ضمن خارطة الولايات والتي يستخرج العراق منها ثلث انتاجه من النفط.
وهذه الاطماع التركية تقابل بحذر كردي بالغ حيث يرفض الاكراد التدخل التركي بعد ان تأكد لهم ان تركيا ستستغل مشاركتها في الحرب المقبلة ضد العراق لضمان موطئ قدم لها في مستقبل العراق من خلال فرض نفوذها في المنطقة سواء عبر استخدام ورقة حماية التركمان او عن طريق إحياء مسألة ولاية الموصل للحصول على نصيبها في كعكة النفط العراقي، ولعل هذه الاسباب نفسها هي ما تدفع تركيا الى الميل للمشاركة في الحرب رغم ما يحيط بها من ضغوط للخوف من اقامة الدولة الكردية ولكن لتحقيق مصالحها ومطامعها في شمال العراق.
تركيا وأوربا
في ظل معارضة غالبية الدول الاوروبية للحرب الامريكية على العراق تواجه تركيا في حال موافقتها على تقديم التسهيلات لامريكا احتمال نشوب ازمة جديدة بينها وبين دول الاتحاد الاوروبي التي تسعى انقرة جاهدة منذ سنوات الى الانضمام اليه وهو ما يزيد من نسبة المعارضة الاوروبية داخل الاتحاد لانضمامها بسبب تحالفها مع الولايات المتحدة التي تواجه علاقاتها مع دول الاتحاد الاوروبي ازمة كبيرة.
وتقع تركيا في هذا الاطار بين موقفين حرجين الاول يتمثل في ارضاء الموقف الاوروبي المعارض للحرب تمهيداً لموافقته على انضمامها للاتحاد الاوروبي على الرغم من اصرار الاتحاد على شروطه التي تتضمن اجراء اصلاحات جذرية في تركيا حتى يمكن انضمامها مع وجود معارضة حقيقية لبعض الدول الاوروبية بالفعل لمسألة انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي من الاساس ولا تظهر في الافق اي بوادر تشير الى حدوث تقدم في الموقف الاوروبي نحو تركيا مع تأجيل النظر في مسألة الانضمام الى عام 2005 وهو الموقف الذي يمكن ان يسوء اكثر بسبب مشاركة تركيا لامريكا في الحرب ويتوقف على تطورات الازمة بين اوروبا والولايات المتحدة.
كما تواجه تركيا حرجاً شديداً مع الولايات المتحدة في حالة رفضها المشاركة خاصة وانها كانت تعول كثيراً على واشنطن في الضغط على دول الاتحاد للتسريع بمسألة انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي وهو الامر الذي لم تظهر فيه اي ضغوط ملموسة حتى الآن رغم حديث الكثير من المحللين عن ان انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي سيكون الثمن الذي تقبضه تركيا لمشاركته في الحرب ضد العراق بضمانات امريكية.
ومن ناحية اخرى تعول تركيا كثيراً على الدول الاوروبية في تقديم المزيد من العون العسكري لها من حلف الاطلسي لحمايتها من اي تهديد محتمل من العراق في حال اندلاع الحرب وهو الامر الذي لم يحظ بموافقة دول الحلف وتسعى دوله الى التوصل الى صيغة وسط توفق بين تلبية حاجات تركيا وحظر تدخل الحلف في الحرب المحتملة وهي الصيغة التي قد تتأثر سلباً بالمشاركة التركية في الحرب ضد العراق خاصة مع ترحيب دول اوروبية على رأسها روسيا بقرار البرلمان برفض انتشار القوات الامريكية.
مستقبل الاتفاق
على خلفية كل الظروف والمعطيات السابقة يبدو رفض البرلمان التركي لتقديم تسهيلات عسكرية للولايات المتحدة امراً غير منطقي ولا يصيب بأي حال من الاحوال لافي صالح تركيا ولا في صالح الولايات المتحدة وهو الامر الذي اكدته ردود فعل الدولتين ازاء القرار حيث اكدت واشنطن بأنه لن يؤثر على العلاقات بين البلدين وعبرت عن املها في ان تعيد تركيا النظر في موقفها بينما حاولت تركيا التخفيف من واقع قرار البرلمان على العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن والاعلان عن ان تجري حالياً دراسة اقتراح بمذكرة جديدة يتم تقديمها للبرلمان في حين ذكر مصدر برلماني ان اي تصويت جديد حول قرار من هذا النوع لن يتم قبل اسبوعين او ثلاثة وهو ما يوحي الى وجود محاولات تركية لكسب المزيد من الوقت حتى يصدر قرار مجلس الامن الذي يعطيها شرعية الرفض او القبول ويرفع عنها الحرج امام الولايات المتحدة او الرافضين للمشاركة كما يوحي بان هناك موقفاً تركياً جديداً قد يتخذ يسمح بانتشار القوات الامريكية في الاراضي التركية وان قرار البرلمان لايعدو كونه وسيلة للضغط على واشنطن للموافقة على الشروط التركية ولعل الامر لايحتاج الى التراجع سواءً من ناحية تركيا او من ناحية واشنطن عن توقيع اتفاق في هذا الشأن فهناك اتفاق قد تم توقيعه بالفعل يسمح لحوالي 3500 مدني عسكري امريكي بالعمل في تحديث المواقع العسكرية والموانئ التركية والسفن الامريكية تنتظر قبالة الساحل بكامل العتاد والامدادات والجنوب واذا كانت الولايات المتحدة لا تستطيع التضحية بالجبهة الشمالية من ناحية تركيا فان تركيا لاتستطيع ان تضحي بمكاسب اقتصادية وسياسية قد تحققها من جراء المشاركة.
ولذلك فالمحللون يرون ان التوقيع على اتفاق مابين أنقرة وواشنطن بهذا الشأن قادم بالفعل وان كانت المسألة مسألة وقت لأن تركيا تدرك تماماً مدى الخسارة التي يمكن ان تتعرض لها في حالة الرفض خاصة وان واشنطن قد اعلنت عن انه من الممكن تعديل خططها لمواجهة احتمال رفض تركيا وفي هذه الحالة ستقوم الحرب بمشاركة تركيا او بدونها ولكن عدم المشاركة سيجعل تركيا الخاسرة الوحيدة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved