Saturday 8th march,2003 11118العدد السبت 5 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
حرية ملتزمة
عبدالله بن بخيت

مات سارتر وشبع موتاً حتى أنَّ كتبه صارت تباع في الحراج مع الأثاث المستهلك ونحن مازلنا ملتزمين نتكلم عن الالتزام، حرية ملتزمة شخص ملتزم، صحافة ملتزمة، فكر ملتزم.. الخ، لن يتخيل سارتر أنّ يوماً سيأتي لتستخدم فيه كلمة التزام للدلالة على نقيض ما أراده، في كل مرَّة تصدر جريدة أو قناة تلفزيونية تتكرر هذه الكلمة وكأنها لازمة وأتصوَّر أنها أقرب للقُفل أو القفص للكلمات المخيفة في الثقافة العربية، وعلى رأسها كلمة حرية، في الستينيات الميلادية وفي السبعينيات الى حد ما استخدمت كلمة الحرية بدلالتين متناقضتين في الاعلام السياسي العربي. الاولى تستخدم الكلمة بمعنى حرية الفرد وحقه في التعبير والمشاركة السياسية.. الخ، والثانية بمعنى هزّ الوسط والكبريهات وترويج الفساد والدعوة للفوضى، عندما كنا صغاراً إذا جاء شخص ونصب علينا او سطا على اشيائنا نحتج قائلين: اجل الدعوى صارت حرية، ولا أنسى قصة حدثتكم عنها وهي قصة الرجل الذي عاد الى منزله في مساء أحد الأيام ووجد ديكه مسجَّى بعد ان أطلق مراهق عليه رصاصة «ساكتون» أردته قتيلاً فصاح قائلاً: حرية يا جماعة حرية ترى الدعوى حرية واخذ يدعو الناس لممارسة كل محظور لأن العالم اصبح حرية بعد مصرع ديكه.
بعد الثمانينيات عندما اخذ الوعي يدبُّ في عقول الناس بدأت الناس تفهم الكلمات، عرف الانسان العربي ان الحرية هي نقيض العبودية، نقيض تكميم الافواه، نقيض التلاعب بمصائر الناس، وعرف الانسان ايضاً انه لايوجد في الدنيا عاقل يدعو للفساد والفوضى، عندما احس المنتفعون بعودة هذه الكلمة الى مكانها الطبيعي في قاموس الناس، وجدوا في كلمة سارتر «الالتزام» افضل حل يوازي بين فهم الناس لكلمة حرية بين رغبة هؤلاء في السيطرة عليها، فجاءت كلمة «الملتزمة» كحلٍ، أو بعبارة أدقّ كقُفل أو قفص.
عندما تصدر جريدة جديدة او قناة فضائية جديدة تبدأ بادعاء الحرية ومن باب التحرُّز تربطها على الفور بقفل الالتزام، عندما تسأل المسؤول عن تفاصيل كلمة الالتزام التي ربطها بالحرية، ستلاحظ في اجابته عودةً لدلالة الحرية المقرونة بالفساد والفوضى، فشروط الحرية هي ان تمتنع عن السباب وتمتنع عن مهاجمة الاشخاص وتمتنع عن الفضائح وتمتنع عما يسبب الفوضى ويسبب الوقيعة بين الدول.. الخ ويمد في القائمة حتى تختلط مهاوي الفساد بقيم الحرية وتنتهي هذه القائمة بتبرير مصادرة الحرية ووضعها تحت الرقابة.
تلاحظون الآن أن كلامي مرة يصبح واضحاً ومرة غامضاً، في لحظة اتجه الى الحقيقة وفي أخرى اهرب منها، كما تلاحظون انني لم أضرب مثالاً واحداً على ما قلت، السبب لأني اعيش في عالم الملتزمين لابد أن اكون ملتزماً!
ملاحظة:
كان يفترض أن أشرح معنى الالتزام عند سارتر ولكني خفت ان يصبح الموضوع ثقيلاً، المقصد ان سارتر غرب والجماعة شرق، وسلامتكم.

فاكس 4702164

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved