لقد لفت نظري ما كتب عن قضية تنظر في محكمة حائل بين مواطن وبلدية حائل في أكثر من عدد في الاقتصادية، وكان آخر ما قرأته للأستاذ خالد صالح الشثري في يوم الأربعاء 2/1/1424هـ الموافق 5/3/2003م «نقطة نظام» وفيه يورد ما ورد في رسالة المواطن وما نشرته البلدية حول موضوع ما سمي بمخطط صبابة في مدينة حائل وسبق أن كتبت في مقال لي بأن الكتابة رسالة وأمانة وهي على مسؤولية كاتبها وذلك في صحيفة الجزيرة في 10/12/1423هـ الموافق 11/2/2003م وأشرت فيها إلى مقال لي لم ينشر حول الدعوة إلى عدم الكتابة عن القضايا المنظورة أمام المحاكم حتى لا يؤثر ذلك على سير الدعوى ومجرياتها بما يكفل تحقيق العدل والإنصاف لإحقاق الحق ودفع الظلم.
والأستاذ خالد الشثري متأثر بهذه القضية التي قيل بأنه قد مضى عليها سنوات عديدة ولم تحسم وأدرك أنه لا يعرف صاحبها كما ذكر، ولكن من مجرد سياق ما ذكر عنها وما يثار بين وقت وآخر، وآخر ذلك ما كتب في نفس صحيفة الاقتصادية بتاريخ 2/1/1424هـ تحت عنوان «استدعاء مندوب بلدية حائل للتحقيق معه في التلفظ على القاضي» وهذه أمور تدفع ببعض الكتاب إلى الكتابة للميل إلى التصديق ما يقال ويكتب، وهذا ما لا يمكن للكاتب الفطن أن يتأثر به ويصدقه بدون الوقوف على الحقيقة والواقع إذ ليس كل ما يقال يصدق، ومسألة المنازعة بين المواطن والبلدية يحسمها القضاء بعد سماع الدعوى من الطرفين وتقديم كل طرف ما لديه من مستندات وأدلة إثبات صحيحة أو دفوع مقبولة، ويجب أن ينتظر ما يصدر من المحكمة في ضوء ما يقدمه كل طرف، وكون القضية لها مدة طويلة وأن الأرض مدخل جزء منها في مخطط البلدية فلا بد من أن يتحقق من صحة الإحياء الشرعي والتملك وهل قامت البلدية بإزالة الإحياءات وأدخلتها في المخطط، ولا يكفي مجرد وجود صك أخرج بشهادة شهود فقط، إذ يمكن في الخصومة إبطال شهادتهم، وبحكم خبرتي عندما كنت مديراً عاماً لمصلحة أملاك الدولة تكونت لدي خبرة عما يحصل من منازعات ومطالبات بالتعويض عن أراض يدعى أنها محياة الأحياء الشرعي ثم يثبت عكس هذا الادعاء، ولذا لا يفترض أن كل صك يحمله مواطن غير قابل للنقاش وواجب التسليم بما يحويه، وبالتالي لا يمكن أن تثور خصومة فيما تضمنه فمثل هذا الاعتقاد غير صحيح وعلى أساس مما قرأته حول القضية المنوه عنها فقد ذكرتني بما سبق أن صدر من رئيس مجلس الوزراء برقم «13012» في 4/6/1403هـ بشأن بعض صكوك حجج الاستحكام الصادرة والتي عارضت عليها إحدى الجهات الرسمية إذ نص على الموافقة على ما جاء في قرار مجلس القضاء الأعلى رقم «79/5/21» بتاريخ 9/5/1403هـ حيث استعرض هذا القرار لذكر «28» صكاً ونص على «إن حجج الاستحكام لا تمنع من تقديم دعوى فيما احتوته ولو كانت مصدقة من هيئة التمييز إذا كان مقدم الادعاء لم يترافع مع حامل الحجة أو كان يمثل السلطة ورأت السلطة أنه قصر في تقديم ما يسند اعتراضه من إحضار بيانات تثبت ما اعترض به أو تبطل شهادة من أحضرهم مستخرج حجة الاستحكام..إلخ».
ومن هذا السياق يتضح أن صكوك حجج الاستحكام لا تكون قطعية ونافذة ولا يجوز الاعتراض على محتوياتها، بل يمكن تقديم دعوى متى كان لذلك وجاهة شرعية ونظامية، وفي نظام المرافعات الشرعية الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم «م/21» وتاريخ 20/5/1421هـ نجد أن المادة «192» نصت صراحة على أنه «يجوز لأي من الخصوم أن يلتمس إعادة النظر في الأحكام النهائية في الأحوال التالية:
1- إذا كان الحكم قد بني على أوراق ظهر بعد الحكم تزويرها، أو بني على شهادة قضي من الجهة المختصة بعد الحكم بأنها مزورة.
2- إذا حصل الملتمس بعد الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى كان قد تعذر عليه إبرازها قبل الحكم.
3- إذا وقع من الخصم غش من شأنه التأثير في الحكم.
4- إذا قضى الحكم بشيء لم يطلبه الخصوم، أو بأكثر مما طلبوه.
5- إذا كان منطوق الحكم يناقض بعضه بعضا.
6- إذا كان الحكم غيابيا.
7- إذا صدر الحكم على من لم يكن ممثلاً تمثيلاً صحيحاً في الدعوى.
من كل ما سبق إيضاحه يتبين أن مجرد صدور الصك لا يفترض صحته ولا يسوغ لحامله أن يطلب تنفيذه إذا كان هناك معارض على محتواه حتى يفصل في الدعوى بشكل نهائي، ولذا فإن ما يثار من كتابات حول القضية المنظورة في محكمة حائل قد لا يكون مستساغاً الكتابة عنها من أي كاتب يتحرى الحياد والاستقلالية فيما يكتبه لأنه لا يعلم أي الخصوم معه حق أو له الحق، بل أن القاضي نفسه لا يمكن أن يحكم في القضية حتى يسمع دفاع ودفوع الخصوم والاطلاع على مستنداتهم وأدلتهم الثبوتية وتمحيصها والتأكد من صحتها.
وخاتمة القول أكرر أن الكتابة في الصحافة هي رسالة وأمانة يجب أن يتوخى ويتحرى الكاتب فيها الصدق والأمانة والحياد والاستقلالية ومن الأفضل برأيي عدم الكتابة عن القضايا التي تكون محل نظر حتى يفصل فيها بحكم نهائي، وبعد ذلك يمكن عند الحاجة كتابة ملخص عنها بدون ذكر الأسماء، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(*) محام ومستشار قانوني
|