* موسكو - فريد وير (*)
يبدو الامر وكأنه شعورغريب.. قبل اثني عشرعاما وعشية اندلاع حرب الخليج الاولى كان الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت يعارض القيام بعمل عسكري تقوده الولايات المتحدة ضد العراق وهدد حينئذ باستخدام حق الفيتو في مجلس الامن الدولي .
وارسلت موسكو يفجيني بريماكوف الخبير بشئون الكرملين وصديق صدام حسين إلى بغداد على امل احداث صدع في التحالف الغربي في محاولة لتوقيع صفقة سلام في اخر لحظة.
واليوم في الوقت الذي تحشد فيه الولايات المتحدة قواتها في منطقةالخليج العربي تلمح روسيا بأنها قد تستخدم الفيتو ضد أى قرار في مجلس الامن يسمح باستخدام القوة ضد العراق نعم .. ان بريماكوف ذهب إلى بغداد للمرةالثانية في مهمة سلام سرية مبعوثا من الرئيس فلاديمير بوتين.
ومع ذلك فان ما يبدو تحت السطح ان الزمن مختلف جدا رغم ان الاتحاد السوفييتي عمل لسنوات طويلة اثناء الحرب الباردة من اجل دق اسفين بين اوروبا وامريكا الا انه يبدو ان الخلاف الاخيرعبرالاطلنطي بشأن كيفية التعامل مع العراق قد اصاب الكرملين بالضعف في الوقت الذي يدور فيه جدل قوي بين خبراء السياسة الروسية حول الاسلوب الذي ينبغي ان تتصرف به موسكو اذا ما طرحت مسألة استخدام القوة ضد العراق في مجلس الامن للتصويت عليها. وهو مايمكن ان يجري قريبا.
شراكة هشة:
ربما يمكن القول ان المشكلة الرئيسية تكمن في كيفية الحصول على اقصى الفوائد لروسيا وتحملها اقل الاضرار خاصة في ضوء شراكتها الهشة مع الولايات المتحدة في اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر.
يقول اليكسي ارباتوف مشرع ليبرالي وعضو لجنة الدفاع بمجلس نواب الشعب «الدوما»: ان هذا الوضع يمثل معضلة خطيرة جدا لروسيا .. ان روسيا لاتؤيد استخدام القوة في العراق الا ان استخدامنا الفيتو في مجلس الامن سوف يظهرنا كما لو كنا نقود ائتلافا مناهضا لامريكا الامر الذي يمكن ان يقضي على كل شيء حصلنا عليه من وراء علاقتنا مع الولايات المتحدة في العامين الاخيرين .
خبير فوق العادة:
وكان بريماكوف - المتخصص في الشئون العربية حيث عمل وزيرا للخارجية ورئيسا للوزراء وكبيرا للجاسوسية في روسيا عقب الحقبة السوفيتية - قد التقى بالمسئولين العراقيين مؤخرا بهدف الضغط على العراق من اجل التعاون مع مفتشي الاسلحة بشكل كامل ويحث بعض الخبراء القادة الروس على ابداء المزيد من التأييد القوي لفرنسا والمانيا اللتين تتمسكان بقوة بموقفهما الرافض للسياسة الامريكية تجاه العراق .
أوروبا جديدة:
يقول فيكتور كريمينيوك نائب مدير معهد الدراسات الكندية الأمريكية الرسمي في موسكو: مهما يحدث بشأن العراق يبدو واضحا ان نظام مابعد الحرب الباردة سوف يشهد تغييرات كبيرة.. اننا نشهد بزوغ اوروبا اقل اعتمادا على الولايات المتحدة واكثر تصميما على ترسيخ وضعها والدفاع عن مصالحها لذلك يتعين على روسيا ان تضع لنفسها خيارا استراتيجيا وان نحدد - على المدى البعيد- ما اذا كنا سنسير مع اوروبا أو مع الولايات المتحدة؟ ويرى كريمينيوك واخرون أن موسكو فشلت - منذ انهيار الاتحاد السوفييتي- في محاولاتها الرامية إلى تحقيق شراكة كاملة مع واشنطن و يقول كريمينيوك لقد تجاهلت الادارتان الامريكيتان السابقتان فرصة ربط روسيا بالولايات المتحدة اقتصاديا وسياسيا .. لذلك فليس هناك مايخيفنا من أى رد فعل امريكي ضدنا بسبب مساندتنا للموقف الفرنسي والألماني الخاص بالعراق.
و يسود روسيا احساس كبير بالمرارة بسبب اخفاق الولايات المتحدة في منحها وضع الدولة الاولى بالرعاية على مدى عقود طويلة ولاتزال روسيا تشعر بالالم من التعريفات الجمركية الاخيرة التي فرضتها واشنطن على صادرات روسيا من الصلب.
ويشعر بعض القوميين الروس بالغضب ازاء المساندة الأمريكية لعملية توسيع حلف الناتو شرقا وانسحاب الرئيس بوش قبل عام من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية من جانب واحد.من جانبه يقول سيرجي ماركوف رئيس المجلس المدني للشئون الدولية المرتبط بالكرملين لقد عاملت الولايات المتحدةروسيا - لفترة طويلة من العقد الماضي - ليس على انها صديق، بل على انها منافس جيوبوليتيكي محتمل .. وكان من نتيجة ذلك تراجع وضع الشراكة الاقتصادية الامريكية مع روسيا إلى ما دون الصفر واصبح اهتمامها السياسي ضعيفاً للغاية.
روسيا وأوروبا:
وعلى النقيض من ذلك نمت التجارة الروسية مع أوروبا في العقد الماضي بمعدلات سريعة واصبحت عائداتها تمثل الان اكثرمن نصف عائدات التجارة الخارجية الروسيةالخارجية.
ومع ذلك يرى ماركوف ان تحالف روسيا مع الولايات المتحدة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر في محاربة الارهاب الدولي لايزال يمثل مصلحة مشتركة قوية.
ويقول ماركوف لعل هذا هو السبب في حالة التردد التي يتسم بها الموقف الروسي حاليا مشيرا إلى ان الولايات المتحدة لاتزال حليفا هاما في عملية احتواء التهديدات التي تمثلها الاتجاهات المتطرفة والارهابية وهي الاتجاهات التي لا تريد روسيا ان تغض الطرف عنها.
ديون صدام:
و يرى الخبراء ان روسيا ورثت الكثير من الدوافع المناهضة للحرب من الاتحاد السوفييتي السابق بما في ذلك انتهاج خط تقليدي في السياسة الخارجية ينظر إلى العراق على انها دولة ذات قيمة كبيرة تابعة لها فضلا عما لديها من استثمارات اقتصادية هائلة في حقول البترول العراقية .
ويساورها القلق بشأن كيفية تحصيل نحو سبعة مليارات دولار تمثل ديونا مستحقة على العراق منذ الحقبة السوفيتية ولايزال صدام حسين مدينا بها لموسكو حتى الان وفي الوقت الذي تبدو فيه دول اخرى وهي تتصدر حملة مناهضة للولايات المتحدة تقف روسيا في حيرة من امرها.
يقول بوريس ماكارينكو المحلل في مركز الاتجاهات السياسية المستقل من المثير للسخرية أنه رغم أن حلم الكرملين السوفيتي القديم - في رؤية صراع بين امريكا واوروبا - قد تحقق .
الا أن موسكو ليس لديها أى تصور بشأن الموقف الذي تتخذه ازاء ذلك.
(*)خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص بـ«الجزيرة»
|